الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة ) قال الشارح وهذا سهو لأن الحل والحرمة من الديانات ولا يقبل قول الكافر في الديانات ، وإنما يقبل قوله : في المعاملات خاصة للضرورة لأن خبره صحيح لصدوره عن عقل ودين يعتقد فيه حرمة الكذب والحاجة ماسة إلى قبول قوله لكثرة وقوع المعاملات ا هـ .

                                                                                        أقول : الظاهر أن أصل عبارة المؤلف في الحل والحرمة الضمني فأسقط بعض الكتبة لفظ " الضمني " فشاع ذلك واشتهر حتى إذا كان خادم كافر ، أو أجير مجوسي فأرسله ليشتري له لحما فقال اشتريت من يهودي ، أو نصراني ، أو مسلم وسعه أكله ، وإن قال اشتريت من مجوسي لا يسعه فعله لأنه لما قبل قوله في حق الشراء منه لزم قبوله في حق الحل والحرمة ضرورة لما ذكرنا ، وإن كان لا يقبل قوله فيه قصدا بأن قال : هذا حلال ، أو هذا حرام ألا ترى أن بيع الشرب وحده لا يجوز وتبعا للأرض يجوز وكم من شيء يصح ضمنا ، وإن لم يصح قصدا كذا صرحوا به قاطبة ولو قال اشتريته من غير المسلم والكتابي فإنه يقبل قوله : في ذلك ويتضمن حرمة ما اشتراه كما صرحوا به أيضا .

                                                                                        قال رحمه الله : ( والمملوك والصبي في الهدية والإذن ) والأصل أن المعاملات يقبل فيها خبر كل مميز حرا كان ، أو عبدا مسلما كان ، أو كافرا صغيرا كان ، أو كبيرا لعموم الضرورة الداعية إلى ذلك ، وإلى سقوط اشتراط العدالة فإن الإنسان قلما يجد المستجمع لشرائط العدالة ولا دليل مع السامع يعمل به سوى الخبر فلو لم يقبل خبره لامتنع باب المعاملات ووقعوا في حرج عظيم وبابه مفتوح ولأن المعاملات ليس فيها إلزام واشتراط العدالة للإلزام فلا معنى لاشتراطها فيها فاشترط فيها التمييز لا غير فإذا قبل فيها قول المميز وكان في ضمن قبوله فيها قبوله في الديانات يقبل قوله : في الديانات ضمنا لما ذكرنا حتى إذا قال المميز أهدى إليك فلان هذه الجارية ، أو بعثني مولاي بها إليك وسعه الأخذ والاستعمال حتى جاز له الوطء بذلك لأن الديانات دخلت تبعا للمعاملات كما تقدم بخلاف الديانات المقصودة لأنه لا يكثر وقوعها كالمعاملات ولا حرج في اشتراط العدالة ولا حاجة إلى قبول قول الفاسق لأنه متهم وكذا الكافر والصغير لأنهما متهمان فيها وأطلق في الهدية والإذن فشمل ما إذا أخبر بإهداء المولى نفسه ، أو غيره بأن يقول : أهداني إليك سيدي وشمل أيضا ما إذا أخبر المملوك بإهداء الجواري والمتاع وغيره كذا في الهداية وغيرها ، وفي المحيط والمعتوه كالصبي ا هـ .

                                                                                        قال في الهداية ، وفي الإذن بأن جعل المولى عبده مأذونا له في التجارة .

                                                                                        قال : لو أن رجلا قد علم أن جارية لرجل يدعيها رجل فرآها في يد رجل آخر يبيعها فقال الذي في يده الجارية : قد كانت كما قلت إلا أنها لي وصدقه في ذلك وكان مسلما ثقة فلا بأس بأن [ ص: 213 ] يشتريها منه ، وفي الخانية ولا تقبل هدية ولا صدقة حتى يتحرى فإن وقع في قلبه أنه صادق يقبل منه ، وإن لم يقع تحريه على شيء من ذلك بقي ما كان على ما كان ، وإن كان وقع تحريه على أنه كاذب لا يقبل منه قال في التلويح : قيل : ذكر فخر الإسلام أن خبر المميز الغير العدل يقبل في الوكالة والهدايا من غير تحر ، وفي موضع آخر أنه يشترط التحري ، وهو المذكور من كلام السرخسي ومحمد فقيل يجوز أن يكون المذكور في كتاب الاستحسان تفسير الهدية فيشترط ويجوز أن يشترط استحسانا ويجوز أن يكون في المسألة روايتان .

                                                                                        قال رحمه الله : ( والفاسق في المعاملات لا في الديانات ) يعني يقبل قول الفاسق فيما ذكر لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } والتبين التثبت وهو طلب البيان وذلك بالتحري وطلب الصدق في خبره لأن الفاسق قد يكون ذا مروءة فيستنكف عن الكذب وقد يكون ذا خسة لا يبالي عن الكذب فوجب طلب التحري فإن وقع تحريه على أنه صادق يقبل قوله : وإلا فلا والأحوط والأوثق أن يريقه ويتيمم ، وفي المحيط ولو أخبر بذلك فاسق ، أو من لا تعرف عدالته فإن غلب على ظنه صدقه قد يسمع قوله : وإلا فلا ا هـ .

                                                                                        ولا يقبل قول الذمي ، وفي الخانية أي لأن الكافر يعتقد أن المسلم على دين باطل فيقصد الإضرار به للعداوة فيرجح الكذب في خبره فلا يجب التحري بل يستحب لأن احتمال الصدق قائم بخلاف ما لو أخبره فاسق فإن التحري يجب لاستواء الصدق والكذب فيه كذا في المحيط قال الشارح ولا يقبل في الديانات قول المستور في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة أنه يقبل ويقبل في الديانات قول العبد والإماء إذا كانوا عدولا لترجح جانب الصدق في خبرهم ، والوكالة من المعاملات والإذن في التجارة من المعاملات وكل شيء ليس فيه إلزام ولا ما يدل على النزاع فهو من المعاملات ; فإن كان شيء من ذلك لا يقبل فيه خبر الواحد ، ومن الديانات الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال ملك قال السغناقي : لا يقبل خبر العدل في الديانات إذا كان فيه زوال ملك حتى لو أخبر رجل عدل ، أو امرأة الزوجين بأنهما ارتضعا على فلانة لا يقبل بل لا بد من الشهادة ا هـ .

                                                                                        فإن قلت : لماذا اشترط في قبول خبر العدل عدم زوال الملك ولم يشترط ذلك في قبول خبر الصبي والمملوك حتى لو قال الصبي أو العبد : سيدي أهدى إليك هذه الجارية قبل قوله وفيه زوال الملك مع أن العبد أدنى حالا من الحر العدل قلنا لأن ملكه للرقبة أدنى حالا من ملك النكاح بدليل اشتراط الشهادة في ملك النكاح دون ملك الرقبة فلهذا اشترط في خبر الحر ما ذكر دون خبر الصبي فتأمل ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن الخبر أنواع أحدها خبر الرسول فيما ليس فيه عقوبة فيشترط فيه العدالة لا غير ، والثاني خبره فيما فيه عقوبة فهو كالأول عند الثاني وهو اختيار الجصاص خلافا لأبي الحسن الكرخي حيث يشترط فيه الثواب عنده ، وشهر رمضان من القسم الأول والثالث حقوق العباد فيما فيه إلزام من وجه دون وجه فيشترط فيه إحدى شرطي الشهادة إما العدد ، أو العدالة خلافا لهما حيث يقبل فيها خبر كل مميز . والرابع العلامات وقد بينا حكمها . ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية وشرط أن يكون المخبر عدلا مسلما والحاكم الشهيد ذكر في المختصر العدالة ولم يذكر الإسلام وتبين بما ذكر الحال ، وأن ذكر الإسلام اتفاقي وليس بشرط ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية