( قوله ) معطوف على المصر ، والسلطان هو الوالي الذي لا والي فوقه ، وإنما كان شرطا للصحة ; لأنها تقام بجمع عظيم وقد تقع المنازعة في التقديم والتقدم ، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره ودخل تحت النائب والسلطان أو نائبه جاز ، ولا تجوز الأنكحة بتزويجه ، ولا قضائه ودخل القاضي والشرطي لكن قال في الخلاصة وليس للقاضي أن يصلي الجمعة بالناس إذا لم يؤمر به ويجوز لصاحب الشرط ، وإن لم يؤمر به وهذا في عرفهم ا هـ . العبد إذا قلد عمل ناحية فصلى بهم الجمعة
وفيها أجزأهم ، ولو والي مصر مات ، ولم يبلغ الخليفة موته حتى مضت بهم جمع ، فإن صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي لم يجز ، ولم تكن جمعة ، ولو لم يكن ثمة قاض ولا خليفة الميت فاجتمع العامة على تقديم رجل جاز للضرورة ، ولو مات الخليفة ، وله ولاة وأمراء على أشياء من أمور المسلمين كانوا على ولايتهم يقيمون الجمع ا هـ . وأطلق في السلطان فشمل العادل والجائر والمتغلب ; ولهذا قال في الخلاصة اجتمعت العامة على تقديم رجل لم يأمره القاضي ، ولا خليفة الميت ا هـ . : والمتغلب الذي لا عهد له أي لا منشور له إن كان سيرته فيما بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم فيما بينهم بحكم الولاية تجوز الجمعة بحضرته
والعبرة لأهلية النائب وقت الصلاة لا وقت الاستنابة حتى لو كان لهما أن يصليا الجمعة ، ولا ينافيه ما ذكره في الخلاصة قبله أمر الصبي أو الذمي وفوض إليهما الجمعة قبل يوم الجمعة فبلغ الصبي وأسلم الذمي ، وكذا الصبي إذا أمر ثم أدرك ، وكذا لو النصراني إذا أمر على مصر ثم أسلم ليس له أن يصلي الجمعة بالناس حتى يؤمر بعد الإسلام لم يجز حكمهما ا هـ . استقضى صبي أو نصراني ثم أدرك الصبي وأسلم النصراني
لأنه في الأول فوض إليه أمر الجمعة صريحا ، وفي الثاني لا وظاهر ما في الخانية أن الفرق إنما هو قول بعض المشايخ وأن الراجح عدم الفرق ; لأن التفويض وقع باطلا فعلى هذا المعتبر أهليته وقت الاستنابة ، ولا خفاء في أن من فوض إليه أمر العامة في مصر فإن له أن يقيم الجمعة ، وإن لم يفوضها إليه السلطان صريحا كما في الخلاصة من أن من فوض إليه أمر العامة من أصحاب السلطان فإن له إقامتها ، ولا يخفى أن له الاستنابة كتولية خطيب في جامع كما هو الواقع في الأمصار وهذا متفق عليه ، وإنما وقع الاشتباه في أن فصرح مثلا الخطيب المقرر من جهة الحاكم هل له أن يستنيب من غير ضرورة خسرو في شرح الدرر والغرر بأن الخطيب ليس له الاستنابة إلا أن يفوض إليه ذلك وهذا مما يجب [ ص: 156 ] حفظه والناس عنه غافلون ا هـ .
وقد عمل بذلك بعض القضاة في زماننا حتى أخرج خطيبا من وظيفته بسبب استنابته من غير إذن ، وفي النجعة في تعداد الجمعة للعلامة ابن جرباش أحد شيوخ مشايخي إن إذن السلطان أو نائبه إنما هو شرط لإقامتها عند بناء المسجد ثم بعد ذلك لا يشترط الإذن لكل خطيب فإذا قرر الناظر خطيبا في مسجد فله إقامتها بنفسه وبنائبه وأن الإذن منسحب لكل من خطب وعبارته
والحاصل أن حق الخليفة إلا أنه لا يقدر على إقامة هذا الحق بنفسه في كل الأمصار فيقسمها غيره بنيابته فالسابق في هذه النيابة في كل بلدة الأمير الذي ولي على تلك البلدة ثم الشرطي ثم القاضي ثم الذي ولاه قاضي القضاة ، وفي العتابية عن حق التقدم في إمامة الجمعة الشرطي أولى من القاضي ، وفي الخانية ابن المبارك لا تجوز صلاتهم خلفه ، وإن قدمه واحد من جماعة السلطان ممن فوض إليه أمر العامة يجوز وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما وقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لإذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ولإذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه ، ولا يكون ذلك إذنا لمجهول ليقع فاسدا على ما توهمه البعض ; لأنه لا بد أن يسأل السلطان في ذلك شخص معين بالضرورة لنفسه أو لغيره ، فبروز الإذن يكون على وجه التعيين لا محالة ; لأن الإذن إن كان للسائل فظاهر وإن كان لغيره فكذلك ; لأن إذنه يقع إذنا للمسئول له وهو معلوم عند السائل معين له بل للإمام أيضا ; لأن السائل يجري ذكره عنده بما يصحح السؤال له ، وهو كاف في صحة الإذن فإن مثل ذلك كاف في تولية القضاة والولاة ، ألا ترى أن الإمام إذا أحدث بعدما صلى ركعة من الجمعة فتقدم واحد من القوم لا بتقديم أحد صح ، ولا يشترط معرفة شخصه في صحة توليته له فما بالك بما نحن فيه وإذا صح الإذن أعطي لمن أذن له حكم الوالي والقاضي في صحة الإقامة منه وممن يأذن له ; لأن المصحح لصحتها ممن سوى الإمام من الإمام والشرطيين والقضاة إنما هو إقامة الإمام لهم وإذنه المحصل لدفع الفتنة الذي هو السبب الداعي لاشتراط الإمام في صحة إقامة الجمعة ، وهو حاصل فيما ذكرنا فلا التفات لمتعنت - والله سبحانه وتعالى أعلم - ا هـ . شخصا نائبا عن الإمام أو قريبا غائبا عن حضرته لو وصف له بأوصاف حميدة فولاه حال غيبته عنه
كلامه ، وهو كلام حسن لكنه لم يستند فيه إلى نقل عن المشايخ وظاهر كلامهم يدل عليه قال الولوالجي في فتاويه جاز ; لأن الذي لم يشهد الخطبة من أهل الصلاة فصح التفويض إليه لكنه عجز لفقد شرط الصلاة ، وهو سماع الخطبة فملك التفويض إلى الغير ، ولو جمع هو ، ولم يأمر لغيره لا يجوز بخلاف ما لو الإمام إذا خطب فأمر من لم يشهد الخطبة أن يجمع بهم فأمر ذلك الرجل من شهد الخطبة فجمع بهم فإنه يجوز وكذلك إن تكلم هذا المقدم فاستقبل بهم جاز ; لأنه إنما يؤدي الصلاة بالتحريمة الأولى ا هـ . شرع في الصلاة ثم استخلف من لم يشهد الخطبة
ووجه الدلالة أن الإمام إن كان المراد به نائب الوالي وهو الخطيب فقد جوز له الاستنابة في إقامة الجمعة ، ولم يقيده بالحدث ، ولا بالعذر وجوز لنائبه أن يستنيب مع أنه لم يفوض إليه ذلك صريحا ، وإن كان المراد بالإمام الوالي فقد جوز لنائبه أن يستنيب ، وكل منهما يدل على جواز الاستنابة للخطيب من غير إذن ، وقال في الهداية من باب القضاء ، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث له أن يستخلف ; لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا بالاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء [ ص: 157 ] ا هـ .
فقد جوز للمأموم بإقامتها الاستنابة ، ولم يقيد بالعذر فدل على جوازها مطلقا وأما تقييد الشارح الزيلعي الاستخلاف بأن يكون أحدث فلا دليل عليه والظاهر من عباراتهم الإطلاق وذكر في البدائع أن ا هـ . كل من ملك إقامة صلاة الجمعة فإنه يملك إقامة غيره مقامه
وهو صريح في جواز الاستنابة للخطيب مطلقا أو كالصريح فيه وأيضا ليس الحدث قبل الصلاة من الضروريات لإمكان أن يذهب الخطيب للوضوء ثم يأتي فيصلي ، وقد اتفقت كلمتهم على أن له الاستخلاف بشرط أن يكون النائب شهد الخطبة ليكون كأن النائب خطب بنفسه ، ولم يقيدوا بإذن الحاكم فدل على ما قلنا ، وفي فتاوى الولوالجي إذا أجزأه أن يخطب ويصلي بهم ; لأنه نهاه عن الصلاة لكي يأتي فيصلي بهم فإذا لم يأت كان هذا تفويض الصلاة إليه ، وقد وقع لبعض قضاة العساكر في زماننا أحدث الإمام فقال لواحد فيهم اخطب ، ولا تصل بهم فذهب ، ولم يجئ بالقاهرة أنه كان يرى بأنه لا يصح تقريره في وظيفة الخطابة ، وإنما يقرر فيها الحاكم ، وهو المسمى بالباشا ولعله استند في ذلك إلى ما قدمناه عن الخلاصة من أن القاضي لا يقيمها إلا بإذن لكن قال في الظهيرية بعد نقل ما في الخلاصة وعن أنه قال أما اليوم فالقاضي يصلي بهم الجمعة ; لأن الخلفاء يأمرون القضاة أن يجمعوا بالناس لكن قيل أراد بهذا قاضي القضاة الذي يقال له قاضي قضاة الشرق والغرب أبي يوسف في وقته أما في زماننا فالقاضي وصاحب الشرط لا يوليان ذلك ا هـ . كأبي يوسف
فالحاصل أن السلطان إذا ولى إنسانا قاضي القضاة بمصر فإن له أن يولي الخطباء ولا يتوقف على إذن كما أن له أن يستخلف للقضاء ، وإن لم يؤذن له مع أن القاضي ليس له الاستخلاف إلا بإذن السلطان ; لأن توليته قاضي القضاة إذن بذلك دلالة كما صرح به في فتح القدير من باب القضاء لكن ذكر في التجنيس أن في روايتين وبرواية المنع يفتى في ديارنا إذا لم يؤمر به ، ولم يكتب في منشوره وأشار إقامة الجمعة للقاضي المصنف رحمه الله تعالى إلى أن لم يجمعوا كما أن له يمصر موضعا كان له أن ينهاهم قال الإمام إذا منع أهل المصر أن يجمعوا الفقيه أبو جعفر هذا إذا نهاهم مجتهدا بسبب من الأسباب وأراد أن يخرج ذلك المصر من أن يكون مصرا أما إذا نهاهم متعنتا أو إضرارا بهم فلهم أن يجمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة ، ولو أن فإنهم لا يجمعوا إلا بإذن مستأنف من الإمام كذا في الخلاصة ودل كلامهم أن إماما مصر مصرا ثم نفر الناس عنه لخوف عدو أو ما أشبه ذلك ثم عادوا إليه ليس له إقامتها ; لأنه لم يبق نائبا لكن شرطوا أن يأتيه الكتاب بعزله أو يقدم عليه الأمير الثاني ، فإن وجد أحدهما فصلاته باطلة ، فإن صلى صاحب شرط جاز ; لأن عمالهم على حالهم حتى يعزلوا كذا في الخلاصة وبه علم أن الباشا النائب إذا عزل قبل الشروع في الصلاة بمصر إذا عزل فالخطباء على حالهم ، ولا يحتاجون إلى إذن جديد من الثاني إلا إذا عزلهم وقيدنا بكونه علم العزل قبل الشروع ; لأنه لو شرع ثم حضر وال آخر فإنه يمضي في صلاته كرجل لا يعمل حجره ; لأن شروعه صح ، وإن حجر عليه قبل الشروع عمل حجره . أمره الإمام أن يصلي بالناس الجمعة ثم حجر عليه ، وهو في الصلاة