5744 ص: فقال أهل المقالة الأولى: هذا لا يلزمنا؛ لأنا قد رأينا الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئة وقرضها جائز، فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وقرضه جائز، فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة في تثبيت المقالة الأولى: نهى النبي -عليه السلام- عن يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل، ويحتمل أن يكون من قبل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة في البيع والقرض، فإن كان إنما نهى عن ذلك عن طريق عدم وجود المثل؛ ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية. بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
وإن كان من قبل أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى.
فاعتبرنا ذلك، فرأينا الأشياء المكيلات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة، ولا بأس بقرضها، ورأينا الموزونات حكمها في ذلك كحكم المكيلات سواء خلا الذهب والورق، ورأينا ما كان من غير المكيلات والموزونات مثل الثياب وما أشبهها فلا بأس ببيع بعضها ببعض وإن كانت متفاضلة، وبيع بعضها ببعض نسيئة فيه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول: ما كان منها من نوع واحد فلا يصلح بيع بعضه ببعض نسيئة، وما كان منها من نوعين مختلفين فلا بأس ببيع بعضه ببعض نسيئة، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهم الله -. ومحمد
[ ص: 127 ] ومنهم من يقول: لا بأس ببيع بعضها ببعض يدا بيد، ونسيئة، وسواء عنده كانت من نوع واحد أو من نوعين، فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما فسرنا، فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئة، وإن كان المبيع والمبتاع به ثيابا كلها، وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة، وإن اختلفت أجناسه، لا يجوز بيع عبد ببعير ولا ببقرة ولا بشاة نسيئة، فلو كان النهي من النبي -عليه السلام- عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين؛ لجاز بيع العبد بالبقرة نسيئة؛ لأنها من غير نوعه، كلما جاز بيع الثوب الكتان بالثوب القطن الموصوف نسيئة.
فلما بطل ذلك في نوعه وفي غير نوعه؛ ثبت أن النهي في ذلك إنما كان لعدم وجود مثله، ولأنه غير موقوف عليه، وإذا كان إنما بطل بيع بعضه ببعض نسيئة لأنه غير موقوف عليه؛ بطل قرضه أيضا؛ لأنه غير موقوف عليه.
فهذا هو النظر في هذا الباب.
ومما يدل على ذلك أيضا ما قد أجمعوا عليه في الاستقراض من الإماء أنه لا يجوز وهي حيوان، فاستقراض سائر الحيوان في النظر أيضا كذلك.