398 - وأخبرنا أبو أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي الصوفي - ببغداد - أن الإمام أبا شجاع عمر بن محمد بن عمر البسطامي أخبرهم - قراءة عليه - أنا ، أنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي ، أنا ، ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب [ ص: 15 ] الشاشي محمد بن أبي العوام الواسطي ، نا أبي ، نا عمر بن إبراهيم الهاشمي ، عن ، عن عبد الملك بن عمير أسيد بن صفوان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : - رضي الله عنه - فسجوه بثوب ارتجت أبو بكر الصديق المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء -رضي الله عنه - باكيا مسترجعا ، وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبي ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه علي بن أبي طالب أبو بكر ، فقال : رحمك الله أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء ، وأحوطهم على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأحدبهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه . أحسنهم صحبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، أرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفضلا ، أشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، وأوثقهم عنه ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين خيرا ، صدقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كذبه الناس ، فسماك الله في " كتابه " صديقا : والذي جاء بالصدق محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصدق به أبو بكر واسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين عنه قعدوا ، صحبته في الشدة أكرم الصحبة ، ثاني اثنين وصاحبه ، والمنزل عليه السكينة ، رفيقه في الهجرة ومواطن الكره ، خلفته في أمته بأحسن الخلافة حين ارتد الناس ، وقمت بدين الله قياما لم يقمه خليفة نبي قط ، قويت حين ضعف أصحابك ، وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ هموا ، ولم تصدع برغم المنافقين وضغن الفاسقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وقمت [ ص: 16 ] بالأمر حين فشلوا ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ، واتبعوك فهدوا ، كنت أخفضهم صوتا ، وأعلاهم فوقا ، أقلهم كلاما وأصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم قولا . كنت أكبرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا ، وأشدهم يقينا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالأمور ، كنت والله للدين يعسوبا أولا حين تفرق الناس عنه ، وآخرا حين قبلوا ، كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت من الأثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمرت إذ خنعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا ، فأدركت آثار ما طلبوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا . كنت على الكافرين عذابا صبا ولهبا ، وللمسلمين غيثا وخصبا ، فطرت والله بغنائها ، وفزت بحبائها ، وذهبت بفضائلها ، وأحرزت سوابقها ، لم تفلل حجتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ، ولم تخن ، كنت كالجبل لا تحركه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، كنت كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك . وكما قال : ضعيف في بدنك قوي في أمر الله . متواضعا في نفسك عظيما عند الله ، جليلا في الأرض ، كبيرا عند المؤمنين . لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا لأحد فيك مطمع ، ولا عندك هوادة لأحد ، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه ، والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق ، القريب والبعيد عندك في ذلك سواء ، شأنك الحق ، والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم ، وأمرك حلم وحزم ، ورأيك علم وعزم ، فأبلغت وقد نهج السبيل وسهل العسير ، وأطفئت النيران ، واعتدل بك الدين وقوي الإيمان ، [ ص: 17 ] وظهر أمر الله ولو كره الكافرون ، وثبت الإسلام والمؤمنون ، فسبقت والله سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا ، وفزت بالخير فوزا مبينا ، فجللت عن البكاء ، وعظمت رزيتك في السماء ، وهدت مصيبتك الأنام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، رضينا عن الله قضاءه ، وسلمنا له أمره ، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا . كنت للدين عزا وكهفا ، وللمؤمنين حصنا وفئة وأنسا ، وعلى المنافقين غلظة وغيظا ، فألحقك الله بنبيك - عليه السلام - ولا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلنا بعدك ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وسكت الناس حتى انقضى كلامه ، وبكوا كيوم مات النبي صلى الله عليه وسلم . وقالوا : صدقت يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم . لما توفي
كذا رواه في " مسنده " . الهيثم بن كليب