[ ص: 91 ] فصل [ سر التفرقة في الوصف بين صلاة الليل وصلاة النهار ]
وأما ففي غاية المناسبة والحكمة ; فإن الليل مظنة هدوء الأصوات وسكون الحركات وفراغ القلوب واجتماع الهمم المشتتة بالنهار ، فالنهار محل السبح الطويل بالقلب والبدن ، والليل محل مواطأة القلب للسان ومواطأة اللسان للأذن ; ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر على سائر الصلوات ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بالستين إلى المائة ، وكان التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار في الجهر والإسرار يقرأ فيها بالبقرة ، الصديق بالنحل وهود وبني إسرائيل ويونس ونحوها من السور ; لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم ، فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير كله بحذافيره صادفه خاليا من الشواغل فتمكن فيه من غير مزاحم ; وأما النهار فلما كان بضد ذلك كانت قراءة صلاته سرية إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح منه ، كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف ; فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود ، وأنفع للجمع ، وفيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة ، والله أعلم . وعمر