فصل :
[ نقل الترك ]
وأما فهو نوعان ، وكلاهما سنة ; أحدهما : تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ، كقوله في شهداء نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلم أحد : { } وقوله في صلاة العيد { ولم يغسلهم ولم يصل عليهم } وقوله في جمعه بين الصلاتين { لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء } ونظائره . ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدة منهما
والثاني : عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله ; فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبدا علم أنه لم يكن ، وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة ، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائما بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات ، وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية ، وقوله : { } يجهر بها ويقول المأمومون كلهم " آمين " . اللهم اهدنا فيمن هديت
ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة ألبتة وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يخل به يوما واحدا ، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف ، ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة ; فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ، ولا فرق .
فإن قيل : من أين لكم أنه لم يفعله ، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم ؟ فهذا سؤال بعيد جدا عن معرفة هديه وسنته ، وما كان عليه ، ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب [ ص: 282 ] آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ، ورفع بها صوته ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب ، وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر اسم الله واسم رسوله جماعة وفرادى ، وقال : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب ، وقال : من أين لكم أن إحياءهما لم ينقل ؟ وانفتح باب البدعة ، وقال كل من دعا إلى بدعة : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ ومن هذا ترى أخذ الزكاة من الخضراوات والمباطخ وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة ; فلا يطالبهم بزكاة ، ولا هم يؤدونها إليه .