[ ص: 63 ] فصل :
[ المخرج الخامس
nindex.php?page=treesubj&link=16500فعل المحلوف عليه مع الذهول ونحوه ]
المخرج الخامس : أن يفعل المحلوف عليه ذاهلا ، أو ناسيا ، أو مخطئا ، أو جاهلا ، أو مكرها ، أو متأولا ، أو معتقدا أنه لا يحنث به تقليدا لمن أفتاه بذلك ، أو مغلوبا على عقله ، أو ظنا منه أن امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناء على أن المرأة أجنبية فلا يؤثر فعل المحلوف عليه في طلاقها شيئا .
[
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500الذهول والفرق بينه وبين النسيان ]
فمثال الذهول أن
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500يحلف أنه لا يفعل شيئا هو معتاد لفعله فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله .
والفرق بين هذا وبين الناسي أن الناسي يكون قد غاب عنه اليمين بالكلية فيفعل المحلوف عليه ذاكرا له عامدا لفعله ، ثم يتذكر أنه كان قد حلف على تركه ، وأما الغافل والذاهل واللاهي فليس بناس ليمينه ، ولكنه لها عنها أو ذهل كما يذهل الرجل عن الشيء في يده أو حجره بحديث أو نظر إلى شيء أو نحوه كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=8وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى } .
يقال : لهي عن الشيء يلهى كغشي يغشى إذا غفل ، ولها به يلهو ، إذا لعب ; وفي الحديث " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24747فلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء كان في يديه } أي اشتغل به ، ومنه الحديث الآخر {
إذا استأثر الله بشيء فاله عنه } .
وسئل
الحسن عما يجده الرجل من البلة بعد الوضوء والاستنجاء ، فقال " اله عنه " ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد لها عن حديثه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لرجل بعثه بمال إلى
أبي عبيدة ثم قال للرسول : " تله عنه ثم انظر ماذا يصنع به " .
ومنه قول
كعب بن زهير :
وقال كل صديق كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول
أي لا أشغلك عن شأنك وأمرك ، وفي المسند {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19892سألت ربي أن لا يعذب اللاهين من أمتي } وهم البله الغافلون الذين لم يتعمدوا الذنوب ، وقيل : هم الأطفال الذين لم يقترفوا ذنبا .
فصل :
[ النسيان ضربان ]
وأما الناسي فهو ضربان : ناس لليمين ، وناس للمحلوف عليه ، فالأول ظاهر ، والثاني : كما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16488_16502حلف على شيء وفعله ، وهو ذاكر ليمينه ، لكن نسي أن هذا هو المحلوف عليه بعينه ، وهذا كما لو حلف لا يأكل طعام كذا وكذا ، فنسيه ، ثم أكله ، وهو ذاكر ليمينه ، ثم ذكر أن هذا
[ ص: 64 ] هو الذي حلف عليه ; فهذا إذا كان يعتقد أنه غير المحلوف عليه ثم بان أنه هو فهو خطأ .
فإن لم يخطر بباله كونه المحلوف عليه ولا غيره فهو نسيان ، والفرق بين الجاهل بالمحلوف عليه ولا غيره فهو نسيان ، والفرق بين الجاهل بالمحلوف عليه والمخطئ أن الجاهل قصد الفعل ولم يظنه المحلوف عليه ، والمخطئ لم يقصده كما لو رمى طائرا فأصاب إنسانا .
[ المكره نوعان ]
والمكره نوعان :
أحدهما : له فعل اختياري لكن محمول عليه ، والثاني : ملجأ لا فعل له ، بل هو آلة محضة .
[ المتأول ]
والمتأول كمن
nindex.php?page=treesubj&link=16500يحلف أنه لا يكلم زيدا وكاتبه يعتقد أن مكاتبته ليست تكليما ، وكمن
nindex.php?page=treesubj&link=16534حلف أنه لا يشرب خمرا فشرب نبيذا مختلفا فيه متأولا ، وكمن
nindex.php?page=treesubj&link=16499حلف لا يرابي فباع بالعينة ، أو لا يطأ فرجا حراما فوطئ في نكاح تحليل مختلف فيه ونحو ذلك .
والتأويل ثلاث درجات : قريب وبعيد ومتوسط ، ولا تنحصر أفراده ، والمعتقد أنه لا يحنث بفعله تقليدا سواء كان المفتي مصيبا أو مخطئا كمن
nindex.php?page=treesubj&link=27330قال لامرأته : إن خرجت من بيتي فأنت طالق ، أو الطلاق يلزمني لا تخرجين من بيتي ، فأفتاه مفت بأن هذه اليمين لا يلزم بها الطلاق بناء على أن الطلاق المعلق لغو كما يقوله بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12068كأبي عبد الرحمن الشافعي وبعض
أهل الظاهر كما صرح به صاحب المحلى ، فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=11763والطلاق بالصفة عندنا كالطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم .
[ المغلوب على عقله ]
والمغلوب على عقله كمن
nindex.php?page=treesubj&link=11775_11767يفعل المحلوف عليه في حال سكر أو جنون أو زوال عقل بشرب دواء أو بنج أو غضب شديد ونحو ذلك .
[ ظن الطلاق ]
والذي
nindex.php?page=treesubj&link=11773يظن أن امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناء على أنه لا يؤثر في الحنث ، كما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=27330قال : إن كلمت فلانا فأنت طالق ثلاثا ، ثم قال : إن فعلت كذا فامرأتي طالق ثلاثا ، فقيل له : إن امرأتك قد كلمت فلانا ، فاعتقد صدق القائل ، وأنها قد بانت منه ، ففعل المحلوف عليه بناء على أن العصمة قد انقطعت ، ثم بان له أن المخبر كاذب .
وكذلك لو قيل له : قد كلمت فلانا ، فقال : طلقت مني ثلاثا ، ثم بان له أنها لم
[ ص: 65 ] تكلمه ، ومثل ذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=11763قيل له : إن امرأتك قد مسكت تشرب الخمر مع فلان ، فقال : هي طالق ثلاثا ، ثم ظهر كذب المخبر ، وأن ذلك لم يكن منه شيء فاختلف الفقهاء في ذلك اختلافا لا ينضبط .
فنذكر أقوال من أفتى بعدم الحنث في ذلك ; إذ هو الصواب بلا ريب ، وعليه تدل الأدلة الشرعية ; ألفاظها وأقيستها واعتبارها ، وهو مقتضى قواعد الشريعة ; فإن البر والحنث في اليمين نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي ، وإن فعل المكلف ذلك في أمر الشارع ونهيه لم يكن عاصيا ، فأولى في باب اليمين أن لا يكون حانثا .
ويوضحه أنه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه ، والنسيان والجهل والخطأ والإكراه غير داخل تحت قدرته ، فما فعله في تلك الأحوال لم يتناوله يمينه ، ولم يقصد منع نفسه منه .
يوضحه أن الله تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره ، فإلزامه بالحنث أعظم مؤاخذة لما تجاوز الله عن المؤاخذة به ، كما أنه تعالى لما تجاوز للأمة عما حدثت به أنفسها لم تتعلق به المؤاخذة في الأحكام .
يوضحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به ، ولهذا هو عفو لا يكون به مطيعا ولا عاصيا .
يوضحه أن الله تعالى إنما رتب الأحكام على الألفاظ ; لدلاتها على قصد المتكلم بها ، وإرادته ، فإذا تيقنا أنه قصد كلامها ، ولم يقصد معانيها ، ولم يقصد مخالفة ما التزمه ولا الحنث فإن الشارع لا يلزمه بما لم يقصده ، بل قد رفع المؤاخذة عنه بما لم يقصده من ذلك .
يوضحه أن اللفظ دليل على القصد ، فاعتبر ; لدلالته عليه ، فإذا علمنا يقينا خلاف المدلول لم يجز أن نجعله دليلا على ما تيقنا خلافه .
وقد رفع الله المؤاخذة عن قتل المسلم المعصوم بيده مباشرة إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأ ، ولم يلزمه شيئا من ديته ، بل حملها غيره ، فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب الأيمان ؟ هذا من الممتنع على الشارع .
وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم المؤاخذة عمن
nindex.php?page=treesubj&link=2430أكل وشرب في نهار رمضان ناسيا لصومه ، مع أن أكله وشربه فعل لا يمكن تداركه ، فكيف يؤاخذه بفعل المحلوف عليه ناسيا ويطلق عليه امرأته ويخرب بيته ويشتت شمله وشمل أولاده ، وأهله وقد عفا له عن الأكل والشرب في نهار الصوم ناسيا ؟
[ ص: 66 ] وقد عفا عمن
nindex.php?page=treesubj&link=26815أكل أو شرب في نهار الصوم عمدا غير ناس لما تأول الخيط الأبيض والخيط الأسود بالحبلين المعروفين ، فجعل يأكل حتى تبينا له وقد طلع النهار ، وعفا له عن ذلك ، ولم يأمره بالقضاء ، لتأويله ، فما بال الحالف المتأول لا يعفى له عن الحنث بل يخرب بيته ، ويفرق بينه وبين حبيبته ويشتت شمله كل مشتت ؟ وقد عفا عن
nindex.php?page=treesubj&link=1588المتكلم في صلاته عمدا ، ولم يأمره بالإعادة لما كان جاهلا بالتحريم لم يتعمد مخالفة حكمه ، فألغى كلامه ، ولم يجعله مبطلا للصلاة ، فكيف لا يقتدى به ويلغى قول الجاهل وفعله في باب الأيمان ولا يحنثه كما لم يؤثمه الشارع ؟ وإذا كان قد عفا عمن
nindex.php?page=treesubj&link=3736قدم شيئا أو أخره من أعمال المناسك من الحلق والرمي والنحر نسيانا أو جهلا فلم يؤاخذه بترك ترتيبها نسيانا ، فكيف يحنث أن قدم ما حلف على تأخيره أو أخر ما حلف على تقديمه ناسيا أو جاهلا ؟ ، وإذا كان قد عفا عمن حمل القذر في الصلاة ناسيا أو جاهلا به ، فكيف يؤاخذ الحالف ويحنث به ؟ وكيف تكون أوامر الرب تعالى ونواهيه دون ما التزمه الحالف بالطلاق والعتاق ؟ وكيف يحنث من لم يتعمد الحنث ؟ وهل هذا إلا بمنزلة تأثيمه من لم يتعمد الإثم وتكفيره من لم يتعمد الكفر ؟ وكيف يطلق أو يعتق على من لم يتعمد الطلاق والعتاق ، ولم يطلق على الهازل إلا لتعمده فإنه تعمد الهزل ، ولم يرد حكمه ، وذلك ليس إليه بل إلى الشارع ، فليس الهازل معذورا ، بخلاف الجاهل والمخطئ والناسي .
وبالجملة فقواعد الشريعة وأصولها تقتضي ألا يحنث الحالف في جميع ما ذكرنا ولا يطرد على القياس ويسلم من التناقض إلا هذا القول .
وأما تحنيثه في جميع ذلك فإن صاحبه وإن سلم من التناقض لكن قوله مخالف لأصول الشريعة وقواعدها ، وأدلتها .
ومن حنث في بعض ذلك دون بعض تناقض ، ولم يطرد له قول ، ولم يسلم له دليل عن المعارضة .
وقد اختلفت الرواية عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في ذلك ; ففيه ثلاث روايات ، إحداها : أنه لا يحنث في شيء من الأيمان بالنسيان ولا الجهل بفعل المحلوف عليه مع النسيان سواء كانت من الأيمان المكفرة أو غيرها ، وعلى هذه الرواية فيمينه باقية لم تنحل بفعل المحلوف عليه
[ ص: 67 ] مع النسيان والجهل ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=16500_16502اليمين كما لم يتناول حالة الجهل والنسيان بالنسبة إلى الحنث لم يتناولها بالنسبة إلى البر ; إذ لو كان فاعلا للمحلوف عليه بالنسبة إلى البر لكان فاعلا له بالنسبة إلى الحنث .
وهذه الرواية اختيار
شيخ الإسلام وغيره ، وهي أصح قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي اختاره جماعة من أصحابه ، والثانية : يحنث في الجميع ، وهي مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك والثالثة : يحنث في اليمين التي لا تكفر كالطلاق والعتاق ، ولا يحنث في اليمين المكفرة ، وهي اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي ، وأصحابه . والذين حنثوه مطلقا نظروا إلى صورة الفعل ، وقالوا : قد وجدت المخالفة . والذين فرقوا قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=16411_16427_24741_16500_16502الحلف بالطلاق والعتاق من باب التعليق على الشرط ، فإذا وجد الشرط وجد المشروط ، سواء كان مختارا لوجوده أو لم يكن .
كما لو قال : " إن قدم زيد فأنت طالق " ففعل المحلوف عليه في حال جنونه ، فهل هو كالنائم فلا يحنث أو كالناسي فيجري فيه الخلاف ؟ على وجهين في مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ، وأصحهما أنه كالنائم لأنه غير مكلف .
[ ص: 63 ] فَصْلٌ :
[ الْمَخْرَجُ الْخَامِسُ
nindex.php?page=treesubj&link=16500فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ الذُّهُولِ وَنَحْوِهِ ]
الْمَخْرَجُ الْخَامِسُ : أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ذَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا ، أَوْ مُخْطِئًا ، أَوْ جَاهِلًا ، أَوْ مُكْرَهًا ، أَوْ مُتَأَوِّلًا ، أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ ، أَوْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ ، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ طَلُقَتْ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهَا شَيْئًا .
[
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500الذُّهُولُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ ]
فَمِثَالُ الذُّهُولِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16502_16500يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا هُوَ مُعْتَادٌ لِفِعْلِهِ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ وَالْغَفْلَةُ فَيَفْعَلَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّاسِي أَنَّ النَّاسِيَ يَكُونُ قَدْ غَابَ عَنْهُ الْيَمِينُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ذَاكِرًا لَهُ عَامِدًا لِفِعْلِهِ ، ثُمَّ يَتَذَكَّرُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ ، وَأَمَّا الْغَافِلُ وَالذَّاهِلُ وَاللَّاهِي فَلَيْسَ بِنَاسٍ لِيَمِينِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَهَا عَنْهَا أَوْ ذَهَلَ كَمَا يَذْهَلُ الرَّجُلُ عَنْ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ أَوْ حِجْرِهِ بِحَدِيثٍ أَوْ نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=8وَأَمَّا مَنْ جَاءَك يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى } .
يُقَالُ : لَهِيَ عَنْ الشَّيْءِ يَلْهَى كَغَشِيَ يَغْشَى إذَا غَفَلَ ، وَلَهَا بِهِ يَلْهُو ، إذَا لَعِبَ ; وَفِي الْحَدِيثِ " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24747فَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ } أَيْ اشْتَغَلَ بِهِ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ {
إذَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِشَيْءٍ فَالْهُ عَنْهُ } .
وَسُئِلَ
الْحَسَنُ عَمَّا يَجِدُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْبِلَّةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ ، فَقَالَ " الْهَ عَنْهُ " ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14ابْنُ الزُّبَيْرِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ لَهَا عَنْ حَدِيثِهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ بَعَثَهُ بِمَالٍ إلَى
أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ : " تَلَهَّ عَنْهُ ثُمَّ اُنْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ " .
وَمِنْهُ قَوْلُ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ :
وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ لَا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
أَيْ لَا أَشْغَلُك عَنْ شَأْنِك وَأَمْرِك ، وَفِي الْمُسْنَدِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19892سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُعَذِّبَ اللَّاهِينَ مِنْ أُمَّتِي } وَهُمْ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الذُّنُوبَ ، وَقِيلَ : هُمْ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِفُوا ذَنْبًا .
فَصْلٌ :
[ النِّسْيَانُ ضَرْبَانِ ]
وَأَمَّا النَّاسِي فَهُوَ ضَرْبَانِ : نَاسٍ لِلْيَمِينِ ، وَنَاسٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ ، وَالثَّانِي : كَمَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16488_16502حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَفَعَلَهُ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِيَمِينِهِ ، لَكِنْ نَسِيَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ كَذَا وَكَذَا ، فَنَسِيَهُ ، ثُمَّ أَكَلَهُ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِيَمِينِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا
[ ص: 64 ] هُوَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ; فَهَذَا إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ هُوَ فَهُوَ خَطَأٌ .
فَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ كَوْنَهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ فَهُوَ نِسْيَانٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرِهِ فَهُوَ نِسْيَانٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُخْطِئِ أَنَّ الْجَاهِلَ قَصَدَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَظُنَّهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، وَالْمُخْطِئَ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا لَوْ رَمَى طَائِرًا فَأَصَابَ إنْسَانًا .
[ الْمُكْرَهُ نَوْعَانِ ]
وَالْمُكْرَهُ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ لَكِنْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي : مُلْجَأٌ لَا فِعْلَ لَهُ ، بَلْ هُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ .
[ الْمُتَأَوِّلُ ]
وَالْمُتَأَوِّلُ كَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16500يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَكَاتَبَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُكَاتَبَتَهُ لَيْسَتْ تَكْلِيمًا ، وَكَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16534حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا فَشَرِبَ نَبِيذًا مُخْتَلَفًا فِيهِ مُتَأَوِّلًا ، وَكَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16499حَلَفَ لَا يُرَابِي فَبَاعَ بِالْعِينَةِ ، أَوْ لَا يَطَأُ فَرْجًا حَرَامًا فَوَطِئَ فِي نِكَاحِ تَحْلِيلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالتَّأْوِيلُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ : قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَمُتَوَسِّطٌ ، وَلَا تَنْحَصِرُ أَفْرَادُهُ ، وَالْمُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ تَقْلِيدًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُفْتِي مُصِيبًا أَوْ مُخْطِئًا كَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27330قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ خَرَجْت مِنْ بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا تَخْرُجِينَ مِنْ بَيْتِي ، فَأَفْتَاهُ مُفْتٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا يَلْزَمُ بِهَا الطَّلَاقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ لَغْوٌ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12068كَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُ
أَهْلِ الظَّاهِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَلَّى ، فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=11763وَالطَّلَاقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَنَا كَالطَّلَاقِ بِالْيَمِينِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ .
[ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ ]
وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ كَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11775_11767يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي حَالِ سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ زَوَالِ عَقْلٍ بِشُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ بَنْجٍ أَوْ غَضَبٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
[ ظَنُّ الطَّلَاقِ ]
وَاَلَّذِي
nindex.php?page=treesubj&link=11773يَظُنُّ أَنَّ امْرَأَتَهُ طَلُقَتْ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحِنْثِ ، كَمَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=27330قَالَ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّ امْرَأَتَك قَدْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ، فَاعْتَقَدَ صِدْقَ الْقَائِلِ ، وَأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ، فَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّ الْمُخْبِرَ كَاذِبٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قِيلَ لَهُ : قَدْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ، فَقَالَ : طَلُقَتْ مِنِّي ثَلَاثًا ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهَا لَمْ
[ ص: 65 ] تُكَلِّمْهُ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11763قِيلَ لَهُ : إنَّ امْرَأَتَك قَدْ مُسِكَتْ تَشْرَبُ الْخَمْرَ مَعَ فُلَانٍ ، فَقَالَ : هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُ الْمُخْبِرِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا لَا يَنْضَبِطُ .
فَنَذْكُرُ أَقْوَالَ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ ; إذْ هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ ; أَلْفَاظُهَا وَأَقْيِسَتُهَا وَاعْتِبَارُهَا ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ ; فَإِنَّ الْبِرَّ وَالْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ نَظِيرُ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَإِنْ فَعَلَ الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الشَّارِعِ وَنَهْيِهِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا ، فَأَوْلَى فِي بَابِ الْيَمِينِ أَنْ لَا يَكُونَ حَانِثًا .
وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ ، وَالنِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ وَالْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ ، فَمَا فَعَلَهُ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْهُ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ ، فَإِلْزَامُهُ بِالْحِنْثِ أَعْظَمُ مُؤَاخَذَةً لَمَّا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا تَجَاوَزَ لِلْأُمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْأَحْكَامِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِعْلَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ النَّائِمِ فِي عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ ، وَلِهَذَا هُوَ عَفْوٌ لَا يَكُونُ بِهِ مُطِيعًا وَلَا عَاصِيًا .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا رَتَّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَلْفَاظِ ; لِدَلَاتِهَا عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا ، وَإِرَادَتِهِ ، فَإِذَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قَصَدَ كَلَامَهَا ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَعَانِيَهَا ، وَلَمْ يَقْصِدْ مُخَالَفَةَ مَا الْتَزَمَهُ وَلَا الْحِنْثَ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَا يُلْزِمُهُ بِمَا لَمْ يَقْصِدْهُ ، بَلْ قَدْ رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يَقْصِدْهُ مِنْ ذَلِكَ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ عَلَى الْقَصْدِ ، فَاعْتُبِرَ ; لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا عَلِمْنَا يَقِينًا خِلَافَ الْمَدْلُولِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَجْعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى مَا تَيَقَّنَّا خِلَافَهُ .
وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومِ بِيَدِهِ مُبَاشَرَةً إذَا لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بَلْ قَتَلَهُ خَطَأً ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ ، بَلْ حَمَلَهَا غَيْرُهُ ، فَكَيْفَ يُؤَاخِذُهُ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ ؟ هَذَا مِنْ الْمُمْتَنِعِ عَلَى الشَّارِعِ .
وَقَدْ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَاخَذَةَ عَمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2430أَكَلَ وَشَرِبَ فِي نَهَارِ رَمَضَانِ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ ، مَعَ أَنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ ، فَكَيْفَ يُؤَاخِذُهُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَيُخَرِّبُ بَيْتَهُ وَيُشَتِّتُ شَمْلَهُ وَشَمْلَ أَوْلَادِهِ ، وَأَهْلِهِ وَقَدْ عَفَا لَهُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ نَاسِيًا ؟
[ ص: 66 ] وَقَدْ عَفَا عَمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26815أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ عَمْدًا غَيْرَ نَاسٍ لَمَّا تَأَوَّلَ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ بِالْحَبْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ حَتَّى تَبَيَّنَا لَهُ وَقَدْ طَلَعَ النَّهَارُ ، وَعَفَا لَهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ ، لِتَأْوِيلِهِ ، فَمَا بَالُ الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّلِ لَا يُعْفَى لَهُ عَنْ الْحِنْثِ بَلْ يُخَرِّبُ بَيْتَهُ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَبِيبَتِهِ وَيُشَتِّتُ شَمْلَهُ كُلَّ مُشَتَّتٍ ؟ وَقَدْ عَفَا عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1588الْمُتَكَلِّمِ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ لَمَّا كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ ، فَأَلْغَى كَلَامَهُ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ ، فَكَيْفَ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَيُلْغَى قَوْلُ الْجَاهِلِ وَفِعْلُهُ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَلَا يُحَنِّثُهُ كَمَا لَمْ يُؤَثِّمْهُ الشَّارِعُ ؟ وَإِذَا كَانَ قَدْ عَفَا عَمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3736قَدَّمَ شَيْئًا أَوْ أَخَّرَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْمَنَاسِكِ مِنْ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا فَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِتَرْكِ تَرْتِيبِهَا نِسْيَانًا ، فَكَيْفَ يَحْنَثُ أَنْ قَدَّمَ مَا حَلَفَ عَلَى تَأْخِيرِهِ أَوْ أَخَّرَ مَا حَلَفَ عَلَى تَقْدِيمِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ؟ ، وَإِذَا كَانَ قَدْ عَفَا عَمَّنْ حَمَلَ الْقَذَرِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهِ ، فَكَيْفَ يُؤَاخِذُ الْحَالِفَ وَيَحْنَثُ بِهِ ؟ وَكَيْفَ تَكُونُ أَوَامِرُ الرَّبِّ تَعَالَى وَنَوَاهِيهِ دُونَ مَا الْتَزَمَهُ الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؟ وَكَيْفَ يَحْنَثُ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا بِمَنْزِلَةِ تَأْثِيمِهِ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِثْمَ وَتَكْفِيرِهِ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكُفْرَ ؟ وَكَيْفَ يُطَلِّقُ أَوْ يُعْتِقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ ، وَلَمْ يُطَلِّقْ عَلَى الْهَازِلِ إلَّا لِتَعَمُّدِهِ فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْهَزْلَ ، وَلَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الشَّارِعِ ، فَلَيْسَ الْهَازِلُ مَعْذُورًا ، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي .
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا تَقْتَضِي أَلَّا يَحْنَثَ الْحَالِفُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَطَّرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَيَسْلَمُ مِنْ التَّنَاقُضِ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ .
وَأَمَّا تَحْنِيثُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ وَإِنْ سَلِمَ مِنْ التَّنَاقُضِ لَكِنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا ، وَأَدِلَّتِهَا .
وَمَنْ حَنِثَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ تَنَاقَضَ ، وَلَمْ يَطَّرِدْ لَهُ قَوْلٌ ، وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ دَلِيلٌ عَنْ الْمُعَارَضَةِ .
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ ; فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، إحْدَاهَا : أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالنِّسْيَانِ وَلَا الْجَهْلِ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ النِّسْيَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْأَيْمَانِ الْمُكَفَّرَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ لَمْ تَنْحَلَّ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
[ ص: 67 ] مَعَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16500_16502الْيَمِينَ كَمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ حَالَةَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِنْثِ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِرِّ ; إذْ لَوْ كَانَ فَاعِلًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِرِّ لَكَانَ فَاعِلًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِنْثِ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ أَصَحُّ قَوْلَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَالثَّانِيَةُ : يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ ، وَهِيَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ وَالثَّالِثَةُ : يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي لَا تُكَفَّرُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَلَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَةِ ، وَهِيَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي ، وَأَصْحَابِهِ . وَاَلَّذِينَ حَنَّثُوهُ مُطْلَقًا نَظَرُوا إلَى صُورَةِ الْفِعْلِ ، وَقَالُوا : قَدْ وُجِدَتْ الْمُخَالَفَةُ . وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=16411_16427_24741_16500_16502الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْمَشْرُوطُ ، سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا لِوُجُودِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
كَمَا لَوْ قَالَ : " إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ ، فَهَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ فَلَا يَحْنَثُ أَوْ كَالنَّاسِي فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ، ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالنَّائِمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ .