الحالة الثالثة : ، فينظر إن تعلق به المحذوف تعلقا لفظيا أو معنويا لم يجز بالاتفاق ، كما قاله أن ينقص من لفظه ويحذفه الهندي والإبياري وغيرهما ، والتعلق اللفظي كالتقييد بالاستثناء والشرط والغاية والصفة . والمعنوي كما إذا كان المتعلق مذكورا بجملة مستقلة ، لا يتعلق المعنى المذكور في الرواية بها ، [ ص: 279 ] كما في بيان التخصيص والنسخ ، وبيان المجمل بجملة مستقلة ، وكلام ابن القشيري فينقص عن الخلاف الآتي ، وإن لم يكن كذلك فعلى الخلاف في الرواية بالمعنى ، فالمانعون ثم منع أكثرهم هاهنا ، وأما المجوزون ثم فاختلفوا هاهنا على أقوال .
[ المذاهب في ] أحدها : أنه إن كان نقل ذلك هو أو غيره مرة بتمامه ، جاز أن ينقل البعض ، وإن لم ينقل ذلك لا هو ولا غيره لم يجز ، هكذا حكاه جواز حذف شيء من الحديث القاضي في " التقريب " ، والشيخ في " اللمع " ، وغيرهما ، وقيد الغزالي الجواز في الشق الأول بأن لا يتطرق إليه سوء الظن بالتهمة باضطراب النقل . والثاني : الجواز مطلقا ، سواء تعلق بعضه ببعض أم لا ، كذا حكاه الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " ، وكذا القاضي في " التقريب " ، وابن القشيري ، وهو يعكر على ما حكياه من الاتفاق أولا ، لكنه بعيد ، فإن أحدا لا يجوز حذف الغاية والاستثناء ، والاقتصار على أصل الكلام ، وحكى سليم الرازي فيما إذا لم يتعلق بعضه ببعض طريقتين : إحداهما : إجراء خلاف الرواية بالمعنى . والثانية : القطع بالجواز ، قال : وهي المذهب . قال : أما إذا روى بعض الخبر ، ثم أراد أن ينقله بتمامه ، فإن كان لا يفهم بأنه زاد في حديثه قبل ذلك ، وإن كان يفهم كان عذرا له في تركه الزيادة وكتمانها . [ ص: 280 ] وكذا قال القاضي في التقريب " : ، دفعا عن نفسه التهمة المسقطة للرواية . وشرط أيضا للجواز أن يكون السامع متذكرا لتمامه ، فإن خاف غفلته أو نسيانه لم يحل له إلا روايته تاما . متى خاف راوي الحديث على التمام أنه إذا رواه مرة ناقصا أن يتهم وجب عليه روايته على التمام
قال : فإن شاركه في السماع غيره لم يحل له الاقتصار على البعض ; لئلا يفسد على السامع الآخر الذي لم يسمعه إلا تاما . والثالث : المنع مطلقا . والرابع : الحديث إن كان مشهورا بتمامه جاز نقل بعضه ، وإلا فلا ، قاله بعض شراح " اللمع " . والخامس : إن كان لا يعلم إلا من جهته ، فإن تعلق به حكم لم يجز أن يترك منه شيئا ، وإن لم يتعلق به حكم نظر ، فإن كان الناقل فقيها جاز له ذلك ، وإن كان غير فقيه امتنع . قاله ، ابن فورك وأبو الحسين بن القطان ، في كتابيهما . قالا : وإن كان تقدم قبل ذلك جاز له الاكتفاء بالبعض ، كما روي { إلى آية الكلالة . فقال : تكفيك آية الصيف عمر بن الخطاب } ، فلو لم يكن فيها كفاية لما وكله إليها . وكذلك ترك الأمر بالقضاء في حديث الواطئ في رمضان اكتفاء بما ذكره في المريض والمسافر ، وإن كان قد جاء من طريق آخر الأمر بالقضاء ، ولحديث { أنه عليه السلام رد : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة ، فرمى الروثة وترك نقل الحجر الآخر اكتفاء ابن مسعود } ، وقد روى مسندا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أحمد بن حنبل } . ائتني [ ص: 281 ] بحجر ثالث
وكذا قال إلكيا الطبري : الحق في هذه المسألة التفصيل بين أن يكون المحذوف حكما متميزا عما قبله ، والناقل فقيه عالم بوجه التمييز فيجوز ، كحديث ، فحيث لم ينقل الحجر الثالث كان مقصوده منع الاستنجاء بالروث ، وإن كان مقصوده مراعاة العدد لوجب عليه نقل جميعه . وإن كان الناقل ظاهر حاله الاعتناء بنقله واستيفاء روايته ، فظاهر حاله أن لا ينقل سواه كقضية ابن مسعود ماعز ، فإن الراوي استوفاها ولم يذكر رجمه . قال : وهذه المسألة ومسألة نقل الخبر بالمعنى في المأخذ والمنشأ سواء ، وقد ينتهي الأمر فيهما إلى التفصيل بين الراوي الفقيه وغيره ، وقد يسوى بينهما كما يسوى بين الراوي الفقيه وغيره . وقال القاضي : يجوز أن يرويه ناقصا لمن رواه له قبل ذلك تاما إذا غلب على ظنه أنه حافظ لتمامه ، فيذكر له ، فإن بانت غفلته ونسيانه لم يحل له إلا روايته على الكمال . وقال الماوردي والروياني : إنما يجوز بشرط أن يكون الباقي مستقلا بمفهوم الحكم ، كقوله : { } ، فيجوز له رواية أحد الأمرين إلا أن يتعينا عليه للإبلاغ عند الحاجة ، فيلزمه الجمع ، كالشهادة . فإن كان الباقي لا يفهم معناه ، فلا يجوز ، وعليه أن يستوفيه لتتم فائدة الخبر ، وإن كان مفهوما ولكن ذكر المتروك يوجب اختلاف الحكم في المذكور ، كقوله : { الطهور ماؤه الحل ميتته } ، فلو روى أنه قال : يجزئك ، لفهم أنه يجزئ عن جميع الناس ، فلا يجوز تركه . ا هـ . أعد أضحيتك ، فقال : ليس عندي إلا جذعة من المعز ، [ ص: 282 ] فقال : تجزئك ، ولم تجزئ لأحد بعدك
والمختار جواز اختصاره بشرط الاستقلال ، وقد جاء الحديث الطويل في صفة الحج ، ساقه سياقا واحدا عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من جابر المدينة إلى أن دخلها . ذكره ، مسلم وأبو داود على هذا السياق ، وجزأه ، مالك ، والبخاري والترمذي على الأبواب . وقال أبو الوليد بن رشد : هو عندي جائز ، إذا كان مفيدا ومكتفيا بنفسه وغير محتاج في فهمه إلى ما قبله ، أو كان ليس يوجب صدق ما حذف منه ، تردد المفهوم عنه بين معنيين أو أكثر ، وسواء جوزنا الرواية بالمعنى أو لا ، واستحسنه العبدري . أما لم يجز حذفها ، مثل ما ذكره إذا كان ترك بعضه يتضمن ترك بيان ما أوله ، ويوهم منه شيئا يزول بذكر الزيادة ، فقال : نقل بعض النقلة عن { الشافعي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستنجي ، فرمى الروثة ، وقال : إنها ركس ابن مسعود } . وروي عنه أنه رمى الروثة ، ثم قال : ابغ لنا ثالثا ، والسكوت عن ذكر الثالث ليس يخل بذكر رمي الروثة وبيان أنها ركس ، لكن يوهم النقل كذلك جواز الاستنجاء بحجرين ، وقال [ ص: 283 ] : فلا يجوز مع هذا الإيهام الاقتصار على بعض الحديث ، وتحمل رواية المقتصر على أنه لم تبلغه الزيادة . واختار الشافعي إمام الحرمين في ذلك التفصيل بين أن يكون مقصد الراوي منع استعمال الروث ، فيجوز ، وإلا فلا يجوز . والحق ما قاله ، بأن الإيهام حاصل ، وإن قصد الراوي منع استعمال الروث . وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( { الشافعي } وفي رواية لم ينقل إلا الرجم . قال الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) : لا أتلقى سقوط الجلد عن الثيب من اقتصار الراوي إذ يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ذكره في هذا الحديث ، فاستحضر الراوي الرجم فاقتصر عليه ، ولكنه مأخوذ من قضية الشافعي ماعز ، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما إذا اقتصر على الزوائد من الحروف التي لا تغير المعنى وكان عالما بمصادر الكلام وموارده جاز إن قلنا تجوز الرواية بالمعنى ، وإلا فلا . قاله القاضي في " التقريب " .