فصل في تعارض الأصلين قال الإمام ، وليس المراد بتعارض الأصلين ، تقابلهما ، على وزن واحد في الترجيح فإن هذا كلام متناقض ، بل المراد التعارض ، بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظره لتساويهما فإذا حقق فكره رجح ، ثم تارة يجزم بأحد الأصلين وتارة يجري الخلاف ويرجح بما عضده من ظاهر أو غيره ، قال ابن الرفعة : ولو كان في جهة أصل ، وفي جهة أصلان جزم لذي الأصلين . ولم يجر الخلاف .
فمن فروع ذلك : إذا فالقول ، قوله قطعا ، مع أن الأصل عدم الوطء ; لأن الأصل بقاء النكاح . واعتضد بظاهره أن سليم ذلك لا يكون عنينا في الغالب فلو كان خصيا ، أو مجبوبا جرى وجهان ، والأصح تصديقه أيضا ; لأن إقامة البينة على الوطء تعسر ، فكان الظاهر الرجوع إلى قوله فلو ثبتت بكارتها رجعنا إلى تصديقها قطعا ; لاعتضاد أحد الأصلين بظاهر قوي . ادعى العنين الوطء في المدة ، وهو سليم الذكر والأنثيين
ومنها : فالمصدق الزوج . قال قالت : سألتك الطلاق بعوض فطلقتني عليه متصلا فأنا منك بائن وقال بل يعد طول الفصل ، فلي الرجعة السبكي : ولم يخرجوه على تقابل الأصلين .
ومنها : صدق البائع لأن الأصل بقاء ملكه . جزم به في الروضة . قال : بعتك الشجرة بعد التأبير فالثمرة لي ، وعاكسه المشتري
ومنها : قال اختلفا في ولد المبيعة فقال البائع : وضعته قبل العقد . وقال المشتري : بل بعده الإمام : كتب الحليمي إلى يسأله عن ذلك ؟ فأجاب : بأن القول قول البائع ; لأن الأصل بقاء ملكه ، وحكى الشيخ أبي حامد الدارمي في المصدق وجهين .
[ ص: 69 ] ومنها : صدق السيد . قاله اختلف مع مكاتبته . فقالت : ولدته بعد الكتابة ، فمكاتب مثلي . وقال السيد : بل قبلها البغوي والرافعي . قالا : ولو زوج أمته بعبده ، ثم باعها له ، فولدت وقد كاتبه وقال السيد : ولدت قبل الكتابة ، فهو لي ، وقال المكاتب بل بعد الشراء فمكاتب صدق المكاتب ، وفرقا بأن المكاتب هنا يدعي ملك الولد لأن ولد أمته ملكه ، ويده مقرة على هذا الولد ، وهي تدل على الملك ، والمكاتب لا يدعي الملك ، بل ثبوت حكم الكتابة فيه .
ومنها : لو فوجهان : أحدهما يتنجس ، وبه جزم صاحب الحاوي ، وآخرون لتحقق النجاسة . والأصل عدم الكثرة . وقع في الماء نجاسة وشك : هل هو قلتان ، أو أقل ؟
والثاني : لا ، وصوبه النووي لأن الأصل : الطهارة ، وقد شككنا في نجاسة منجسه ; ولا يلزم من النجاسة التنجيس . ورجح الشيخ زين الدين الكيناني مقالة صاحب الحاوي ، وتبعه البلقيني ; لأن النجاسة محققة ، وبلوغ القلتين شرط ، والأصل عدمه ، ولا يجوز الأخذ بالاستصحاب عند القائلين به ، إلا أن يقطع بوجود المنافي ، وأما السبكي فإنه رجح مقالة النووي .
وخرج ابن أبي الصيف على هذه المسألة فرعا ، وهو : ، فقال : إن قلنا بالطهارة في الأولى فهنا أولى وإلا فوجهان ; لأن الأصل بقاء الكثرة ، ونازعه قلتان متغيرتان بنجاسة ، ثم غاب عنهما ثم عاد ، ولا تغير ، وشك في بقاء الكثرة ، فقال : لا وجه للبناء ، ولا للخلاف لأن تلك تعارض فيها أصلان ، فنشأ قولان ، وهنا الأصل بقاء الكثرة بلا معارض . المحب الطبري
ومنها : لو ففيه احتمالان شككنا فيما أصاب من دم البراغيث أقليل ، أم كثير ؟ للإمام ; لأن الأصل : اجتناب النجاسة ، والأصل في هذه النجاسة العفو ، وهذه المسألة نظير ما قبلها ، وقد رجح في أصل الروضة : أن له حكم القليل .
ومنها : لو فقولان : أحدهما : أنه مدرك ، لأن الأصل بقاء ركوعه ، والثاني : لا ; لأن الأصل عدم الإدراك ، وهو الأصح . أدرك الإمام وهو راكع ، وشك هل فارق حد الركوع قبل ركوعه
ومنها : لو لم يصح صومه لأن الأصل عدم النية . قال نوى وشك هل كانت نيته قبل الفجر ، أو بعده ؟ النووي : ويحتمل أن يجيء فيه وجه ; لأن الأصل بقاء الليل ، كمن شك في إدراك الركوع .
ومنها : لو ، فقولان ; لأن الأصل بقاء الصداق وبراءة ذمته والأصح تصديقها . أصدقها تعليم قرآن ، ووجدناها تحسنه فقال : أنا علمتها وقالت : بل غيره
ومنها : إذا : ففي قول : تجب فطرته وهو الأصح لأن [ ص: 70 ] الأصل بقاء حياته ، وفي قول : لا ; لأن الأصل براءة ذمة السيد ورجح الأول بأنه ثبت اشتغال ذمة السيد قبل غيبة العبد بفطرته ، فلا تزال إلا بيقين موته ، ويجري القولان في إجزاء عتقه عن الكفارة ، والأصح أنه لا تجزيه لأن الأصل اشتغال ذمته بالكفارة فلا تبرأ إلا بيقين ونظيره في إعمال كل من الأصلين في حالة ما إذا غاب العبد ، وانقطعت أخباره لا يجوز المسح ولو أخرجها إلى الساق ثم أدخلها ، لا يضر ، عملا بالأصل في الموضعين . أدخل رجله الخف وأحدث قبل وصول القدم إلى مستقرها
ولو لم يجز ، ولو كانت قرية وانهدمت وأقام أهلها لبنائها وأقيم بها الجمعة صح عملا بالأصل في الموضعين ، ولو أراد جماعة إنشاء قرية لا للسكن فأقيم بها الجمعة لا يحل أكله ، ولو لاقى شيئا لم ينجسه ، عملا بالأصل فيهما . وجد لحما ملقى ، وشك هل هو ميتة ، أو مذكى ؟
ومنها : فوجهان ; لأن الأصل عدم البيع ، وعدم الرجوع ، والأصح تصديق المرتهن . أذن المرتهن في البيع ورجع ، ثم ادعى الرجوع قبل البيع
ومنها : لو ، فقولان لأن الأصل الحل وبقاء الحولين ، والأصح لا تحريم : شك : هل رضع في الحولين أم بعدهما
ولو ، فلا تحريم قطعا لعدم معارضة أصل الإباحة بأصل آخر . شك : هل رضع خمسا أو أقل
ومنها : ، فالأصل عدم التخمر وعدم قبض الصحيح ، وصحح باعه عصيرا وأقبضه ووجد خمرا ، فقال البائع تخمر عندك وقال المشتري بل عندك النووي تصديق البائع ترجيحا لأصل استمرار البيع ، ويجري القولان فيما لو كان رهنا مشروطا في بيع .
ومنها : لو فالأصح : تصديق المسلم لأن الأصل اشتغال ذمة المسلم إليه ، ولم يتيقن البراءة والثاني يصدق المسلم إليه لأن الأصل السلامة واستقرار العقد ، ولهذا يصدق البائع قطعا فيما لو جاء المشتري بمعيب ، وقال : هذا المبيع ، لأنه لم يعارضه أصل اشتغال الذمة ، وفارق المسلم لأنهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الشراء وتنازعا في عيب الفسخ ، والأصل عدمه ، والثمن المعين كالبيع ، وفي الذمة فيه الوجهان في السلم . قبض المسلم فيه فجاء بمعيب وقال : هذا الذي قبضته ، وأنكر المسلم إليه
ومنها : لو فوجهان ، أحدهما يصدق البائع ; لأن الأصل عدم التغيير ، والأصح المشتري لأن البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والمشتري ينكر ذلك . رأى المبيع قبل العقد ، ثم قال البائع : هو بحاله ، وقال المشتري : بل تغير
ومنها : إذا ، فالأصح أن القول قول المكري ; لأن الأصل عدم الغصب ووجه الآخر أن الأصل عدم الانتفاع ، لكن اعتضد [ ص: 71 ] الأول بأنه بعد التسليم بقي الأصل : وجوب الأجرة عليه إلى أن يتبين ما يسقطها . سلم الدار المستأجرة ثم ادعى المستأجر أنها غصبت
ومنها : لو فالأظهر تصديق المالك لأن الأصل عدم الإذن في ذلك ، والثاني المستأجر ; لأن الأصل براءة ذمته ، والظاهر : أنه لا يتجاوز إذنه . أعطاه ثوبا ليخيطه فخاطه قباء وقال : أمرتني بقطعه قباء ، فقال : بل قميصا
ومنها : ، ففي قول يصدق القاد لأن الأصل براءة ذمته والأصح يصدق الولي ; لأن الأصل بقاء الحياة . قد ملفوفا وزعم موته
ومنها : لو ، فالأصح تصديق الولي لأن الأصل عدم السبب . زعم الولي سراية والجاني سببا آخر
والثاني الجاني لأن الأصل براءة الذمة .
ولو عكس بأن فالأصح تصديق الولي ; لأن الأصل بقاء الديتين الواجبتين ، والثاني : الجاني ، لأن الأصل براءة ذمته . قطع يديه ورجليه ، وزعم الولي سببا آخر ، والجاني سراية
ومنها : لو فقيل : يجب الأرش ; لأن الجناية قد تحققت ، والأصل عدم العود ، والأصح : لا ، لأن الأصل براءة الذمة ، والظاهر أنه لو عاش لعادت . قلع سن صغير ومات قبل العود
ومنها : ادعى أحد الزوجين التفويض والآخر التسمية ، فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب ، كذا في أصل الروضة . قال البلقيني : لم يبين فيه الحكم وكأنه أحاله على ما إذا اختلفا في عقدين فإن كلا يحلف على نفي دعوى الآخر .
ومنها : إذا ، ففي كونه مقرا به خلاف ; لأن الأصل الاستمرار والأصل براءة الذمة ، والأصح أنه ليس بإقرار . قال : كان له علي كذا
ومنها : ، ففي مطالبته بالبينة وجهان لأن الأصل عدم الأمان ، ويعضده : أن الغالب على من يستأمن الاستئناس بالإشهاد ، والأصل حقن الدماء ، ويعضده : أن الظاهر أن الحربي لا يقدم على هذا إلا بأمان هذا هو الأصح . اطلعنا على كافر في دارنا فقال : دخلت بأمان مسلم
ومنها : لو ، فليجدد الإسلام فإن قتله مبادرا قبل التجديد ، ففي الضمان وجهان . قال في الوسيط : مأخوذان من تقابل الأصلين : عدم الإكراه وبراءة الذمة . شهد عليه بكلمة الكفر فادعى الإكراه
ومنها : ، ففي وقوع الطلاق تردد لتعارض أصلين : بقاء النكاح ، وعدم اصطياده ، ورجح طار طائر فقال ، إن لم أصد هذا الطائر اليوم فأنت طالق ، ثم اصطاد ذلك اليوم طائرا وجهل : هل هو ذلك أو غيره النووي من زوائده عدم الوقوع . ومنها : [ ص: 72 ] ففي المصدق وجهان في الروضة بلا ترجيح ، لأن الأصل براءة الذمة وعدم الاضطراب : قال زاد المقتص في الموضحة وقال : حصلت الزيادة باضطراب الجاني وأنكر ابن الرفعة : وينبغي القطع بتصديق المشجوج ، يعني وهو المقتص لأنه وجد في حقه أصلان : براءة الذمة وعدم الارتعاش ، ولم يوجد في حق الآخر إلا أصل واحد ، بل والظاهر أيضا أن من مسه آلة القصاص يتحرك بالطبع .
ومنها : ، فقد تعارض أصلان : عدم ظلمه ، وعدم نشوزها ، قال ضربها الزوج وادعى نشوزها ، وادعت هي أن الضرب ظلم ابن الرفعة : لم أر فيها نقلا . قال : والذي يقوى في ظني أن القول قوله ; لأن الشارع جعله وليا في ذلك .