القاعدة الخامسة :
الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة
من الأولى : مشروعية الإجارة ، والجعالة ، والحوالة ، ونحوها ، جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة ، وفي الثانية من الجهالة ، وفي الثالثة من بيع الدين بالدين لعموم الحاجة إلى ذلك ، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة .
ومنها : جوز على خلاف القياس إذ البائع إذا باع ملك نفسه ، ليس ما أخذه من الثمن دينا عليه حتى يضمن . لكن لاحتياج الناس إلى معاملة . من لا يعرفونه ولا يؤمن خروج المبيع مستحقا . ضمان الدرك ،
ومنها : مسألة . الصلح وإباحة النظر ، للمعاملة ، ونحوها ، وغير ذلك
ومن الثانية : : يجوز للحاجة ولا يعتبر العجز عن غير الفضة ، لأنه يبيح أصل الإناء من النقدين قطعا بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين : كإصلاح موضع الكسر والشد والتوثق . تضبيب الإناء بالفضة
ومنها : ، جائز للحاجة ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره . الأكل من الغنيمة في دار الحرب
تنبيه :
من المشكل قول المنهاج : ويباح ، مع قولهم في الصداق : ولو النظر لتعليم ، تعذر تعليمه في الأصح . أصدقها تعليم قرآن ، فطلق قبله
وأجاب السبكي : بأنه إنما تعذر ; لأن القرآن ، وإن أمكن تنصيفه من جهة [ ص: 89 ] الحروف ، والكلمات ، لكنه يختلف سهولة ، وصعوبة ، وتابعه في المهمات فقال : لأن القيام بتعليم نصف مشاع ، لا يمكن . والقول باستحقاق نصف معين : تحكم لا دليل عليه ويؤدي إلى النزاع : فإن السورة الواحدة مختلفة الآيات ، في الطول ، والقصر ، والصعوبة ، والسهولة ، فتعين البدل .
واعترض هذا الجواب : بأنه خاص بالطلاق ، قبل الدخول ، وقد صرحوا بتعذر التعليم ، ولو طلق بعد الدخول والمستحق بعد الدخول : تعليم الكل .
وأجاب الشيخ الإمام جلال الدين المحلي ; في شرح المنهاج : بأن ما ذكره النووي من إباحة النظر للتعليم : تفرد به ، وهو خاص بالأمرد ; لأنه لما حرم النظر إليه مطلقا ، ولو بلا شهوة ، استشعر أن يورد عليه أن الأمرد يحتاج إلى مخالطة الرجال للتعليم ، ويشق عليه الاحتجاب والتستر . وما زال السلف ، والعلماء على مخالطة المرد ومجالستهم وتعليمهم فاستثني النظر للتعليم لذلك .
وأما المرأة : فلا تحتاج إلى التعليم : كاحتياج الأمرد .
وأما الواجبات : فلا تعدم من يعلمها إياها : من محرم أو زوج أو غيره من وراء حجاب ، وكان شيخنا قاضي القضاة : شرف الدين المناوي يأبى هذا الجواب ويقول بعموم الإباحة للمرأة أيضا ; ويجيب عن مسألة الصداق : بأن المطلقة امتدت إليها الأطماع ، فناسب أن لا يؤذن في النظر إليها ، بخلاف غيرها .
والتحقيق ما قاله الشيخ جلال الدين وقد أشار إلى نحو ما قاله السبكي ، فقال : قد كشفت كتب المذهب ; فإنما يظهر منها جواز النظر للتعليم ، فيما يجب تعلمه وتعليمه ; كالفاتحة ; وما يتعين من الصنائع بشرط التعذر من وراء حجاب . وأما غير ذلك ; فإن كلامهم يقتضي المنع ثم استشهد بالمذكور في الصداق .