( المسألة الرابعة ) مقتضى ما تقدم من أن وأنها أمور عشرة في لسان الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل وأن جزاءه أيضا كذلك العرب كذلك كما تقدم تقريره أن لا يصح تعليق صفات الله تعالى نحو علمه وإرادته فإن من جميع الموجودات الممكنات والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء من ذلك عن الأزل فيستحيل تعليقه حينئذ وجعله شرطا لكنه ورد في كتاب الله تعالى معلقا على الشرط كقوله عز وجل { الله تعالى في الأزل بكل شيء عليم وقدر كل شيء في الأزل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون } { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } { إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } و { إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين } و { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } وفي السنة { } ومن ها هنا شرطية فإن قلت : كيف تورد السؤال بلو مع أنك قد قدمت أن من خصائصها أنها تدخل على الماضي فلا يكون الاستقبال فيها لازما حتى يرد بها السؤال ؟ قلت من خصائصها أنها قد تدخل على الماضي ولكن لا يمنع دخولها على المستقبل . من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
ونحن نعلم ها هنا أنها إنما دخلت على المستقبل من جهة الواقع فإنه تعالى لو شاء جعلنا ملائكة لكنا ملائكة لكنا لسنا ملائكة فعلمنا أن هذا ليس ماضيا وكذلك بقية الآيات فالسؤال بها لازم .
والجواب عنه أن تعلق قسمان : قسم واقع وقسم مقدر مفروض ليس واقعا فالواقع هو أزلي لا يمكن جعل شيء منه شرطا ألبتة والمقدر هو الذي جعل [ ص: 94 ] شرطا وتقدير الكلام في هذه المواضع متى فرض إرادتنا أن نردكم ملائكة كنتم ملائكة ومتى فرض إرادتنا لهداية نفس اهتدت ومتى فرض إرادتنا لكون شيء كان ومتى فرض إرادتنا لإهلاك قرية وكان السبب في إهلاكها أمر مترفيها فيفسقون ومتى فرض علم الله تعالى بأن فيكم خيرا آتاكم خيرا مما أخذ منكم وكذلك بقية هذه النظائر فجميع المعلق عليه من تعلق صفات الله تعالى إنما هو مفروض مقدر لا أنه واقع والفرض والتقدير أمر متوقع في المستقبل ليس أزليا فلذلك حسن التعليق فيه على الشرط فإن قلت بل هذا التقدير أزلي والله تعالى يعلم في الأزل أنه لو شاء لجعلنا ملائكة ولو شاء هداية نفس لاهتدت والعلم تابع للمعلوم فيكون العلم بهذا التقدير فرع تحقق التقدير لكن العلم بذلك أزلي فيكون التقدير أزليا فيمتنع تعليقه إرادة الله تعالى وعلمه بالأشياء قلت : الواقع في الأزل هو العلم بارتباط الهداية والعلم بارتباط الشيء بالشيء لا يقتضي وقوع ذينك الشيئين ولا أحدهما لأن الله تعالى يعلم في الأزل ارتباط الري بالشرب والشبع بالأكل فعلمه تعالى بهذه الأشياء أزلي .
وهذه الأشياء حادثة كذلك ها هنا يعلم الله سبحانه في الأزل ارتباط الهداية بفرض إرادة الله تعالى لها فيكون العلم بذلك قديما والمعلوم وهو هذان الأمران حادثان ومعنى قولنا العلم تابع للمعلوم أي تابع لتقديره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا فنعلم أن القيامة تقوم فعلمنا حاضر ومعلومنا مستقبل لكن المتقدم على علمنا بالرتبة العقلية هو تقدير المعلوم في زمانه لا ذات المعلوم فتأمل ذلك وأثبته أيضا في قولهم الخبر تابع للمخبر بهذا التفسير فإن قلت : الارتباط بين إرادة الله تعالى الهداية والهداية أزلي فإن هذا الارتباط واجب عقلا والواجبات العقلية لا تقبل العدم وما لا يقبل العدم أزلي فالارتباط أزلي وقد جعل شرطا مع أنه أزلي قلت : لم يجعل الارتباط شرطا بل المرتبط به خاصة وهو [ ص: 95 ] المشيئة المفروضة أما الارتباط بها فلم يجعل شرطا أصلا ولا تنافي بين قدم الارتباط وحدوث المرتبط والمرتبط به ألا ترى أن الارتباط واقع بين الأجسام والأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق وأن هذا الارتباط واجب عقلا لا يقبل العدم ومع ذلك فالأجسام والأعراض حادثة وسره أن الارتباط حكم ونسبة وإضافة لا تقبل الوجود الخارجي بل الذهني فقط كالإمكان والاستحالة حكمان أزليان والممكنات حادثة .