( الفرق الحادي والثلاثون والمائة بين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=21093الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب )
وقعت في الشريعة صور كثيرة تقتضي الفرق بين هاتين القاعدتين
أحدها أن
nindex.php?page=treesubj&link=10981_11010العقد على الأجنبية مباح فترتفع هذه الإباحة بعقد الأب عليها من غير وطء والمبتوتة لا يذهب تحريمها إلا بعقد المحلل ووطئه وعقد الأول بعد العدة وهذه رتبة فوق تلك الرتبة الناقلة عن الإباحة بكثير
وثانيها
nindex.php?page=treesubj&link=9151_8106المسلم محرم الدم لا تذهب هذه الحرمة إلا بالردة أو
nindex.php?page=treesubj&link=9152_10379_9139_9151زنى بعد إحصان أو قتل نفسا عمدا عدوانا وهي
[ ص: 74 ] أسباب عظيمة فإذا أبيح دمه بالردة حرم بالتوبة وفي القصاص بالعفو وفي الزنى بالتوبة على خلاف بين العلماء أما عند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فلا بد من رجمه ولو تاب ووقع الاتفاق فيما علمت على المحارب إذا تاب من قبل أن يقدر عليه أنه يسقط عنه الحد وتزول إباحة دمه والتوبة أيسر من الردة والقتل وأقل تحتيما على العبد
وثالثها الأجنبية لا يزول تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها وصداق وشهود ، وإباحتها بعد العقد يكفي فيها الطلاق فترتفع تلك الإباحة بالطلاق الذي يستقل الزوج به من غير زيادة
ورابعها
nindex.php?page=treesubj&link=9150الحربي مباح الدم تزول إباحته بالتأمين وهو سبب لطيف وإذا حرم دمه بالتأمين لا يباح إلا بسبب قوي يزيل تلك الإباحة من خروج علينا أو قصد لقتلنا حرابة وخروجنا على الإمام العدل وكذلك تزول إباحة دمه بعقد الجزية فإذا حرم دمه بعقد الجزية لا يباح دمه بكل المخالفات لعقد الجزية بل لا بد من مخالفة قوية كالتمرد على الإمام ونبذ العهد مجاهرة وغير ذلك من الأمور المحتاجة إلى قوة شديدة ومناقشة عظيمة ونظائر هذه القاعدة في الشريعة كثيرة وهذا الفرق واقع فيها بين القاعدتين الخروج من الإباحة إلى التحريم والخروج من التحريم إلى الإباحة وقد رام الأصحاب تخريج الحنث ببعض المحلوف عليه على هذه القاعدة فإن الحنث خروج من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسر سبب فيحنث بجزء المحلوف عليه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل منه لبابه لأنه على بر وإباحة حتى يحنث ولا يبرأ إذا كان على حنث إلا بفعل الجميع إذا حلف ليأكلنه فلا يبرأ إلا بأكل جميعه لأنه على حنث حتى يبر فهو خارج من حرمة إلى إباحة وهذا التخريج ضعيف فإنهم إن ادعوا هذه القاعدة المتقدمة كلية في الشريعة منعناها لاندراج صورة النزاع فيها فللخصم منعها وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه ولأن هذه الصورة المتقدمة صورة قليلة ولو كانت كثيرة وضموا إليها أمثالها فالقاعدة أن الدعوة العامة الكلية لا تثبت بالمثل الجزئية فإنها لو انتهت إلى الألف احتمل أنها جزئية لا كلية فكم من جزئية مشتملة على أفراد كثيرة ألا ترى إلى قولنا : كل عدد زوج كلية باطلة بل إنما تصدق جزئية في بعض الأعداد وتلك الأعداد التي هي زوج كثيرة جدا لا يحصى عددها ومع ذلك فالكلية كاذبة لا صادقة .
وإن ادعوا أنها جزئية فيحتاجون إلى دليل آخر يوجب كون صورة النزاع كذلك فإن كان ذلك القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفوارق أو الدليل غير القياس فأين هو لا بد من بيانه ، وخرج بعض الأصحاب هذه المسألة على قاعدة الأمر
[ ص: 75 ] والنهي فقال إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر أو لا يفعل فهو كالنهي والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث فيكون فاعل الجزء حانثا وهو المطلوب وهذه الطريقة أيضا ضعيفة لأن هذه القضية التي ادعاها هذا المخرج منعكسة بل الأمر بالشيء أمر بأجزائه كإيجاب أربع ركعات فإنه إيجاب لكل ركعة منها والنهي عن الشيء ليس نهيا عن أجزائه كالنهي عن خمس ركعات في الظهر ليس نهيا عن الأربع بل الأربع واجبة نعم النهي عن الشيء نهي عن جزيئاته فإن النهي عن مفهوم الخنزير نهي عن كل خنزير الخنزير الطويل والقصير والسمين والهزيل وجميع جزيئات الخنزير والأمر بالماهية الكلية ليس أمرا بجزيئاتها فالأمر بإعتاق رقبة ليس
[ ص: 76 ] أمرا بإعتاق هذه الرقبة وتلك وجميع الرقاب بل يكفي في حصول ماهية الرقبة شخص منها واحد معين فشتان ما بين الأجزاء والجزيئات الحكم منعكس بينهما فهذا التخريج باطل قطعا فلا يفتي به فقيه وأحسن ما رأيت للأصحاب في هذه المسألة طريقة الفرض والبناء وهي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12671الشيخ أبا عمرو بن الحاجب رحمه الله كان يقول هذه المسألة ثلاثة أقسام : المعطوفات نحو .
والله لا كلمت زيدا وعمرا ، والجموع والتثنيات نحو لا أكلت الأرغفة أو الرغيفين ، وأسماء الحقيقة الواحدة المفردة كالرغيف فهذه الأقسام الثلاثة الخلاف فيها واحد فعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه لا يحنث إلا بالجميع وعندنا بالبعض في المسائل الثلاثة ، فنقول أجمعنا على ما
nindex.php?page=treesubj&link=16535إذا قال الحالف والله لا كلمت زيدا ولا عمرا بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا وكذلك قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=19وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات [ ص: 77 ] ولا النور ولا الظل ولا الحرور } فذكر لا في البعض دون البعض مع أن الكل منفي فحيث تركت لا كان المعنى مثل الموضع الذي ذكرت فيه لا سواء بسواء غير التوكيد وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبلها التحنيث تحقيقا لحقيقة التأكيد .
وإذا اتضح الحنث في هذه الصورة بمدرك صحيح مجمع عليه وجب أن يكون الواقع في الصورتين الأخيرتين الحنث لأنه لا قائل بالفرق إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون بعض لزم خلاف الإجماع فإن القائل قائلان قائل بالحنث في الجميع وهو
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأتباعه وقائل بعدم الحنث في الجميع وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وأصحابه فلو قلنا بأنه في صورة العطف دون غيرها كان قولا خارقا للإجماع ولا سبيل إليه وهذه طريقة الفرض والبناء عند الخلافيين وضابطها أن يكون الإنسان يساعده الدليل في بعض صور النزاع دون بعضها فيفرض الاستدلال في تلك الصورة التي يساعده الدليل عليها فإذا تم له فيها الدليل بنى الباقي من الصور عليها فسمي ذلك طريقة الفرض والبناء وهي ضعيفة بسبب أن المناظر قائم مقام إمامه المجتهد والمجتهد لا يجوز له الاعتماد على قولنا لا قائل بالفرق فإن هذه المقدمة إنما جاءتنا بعد فتياه هو في المسألة ومدركه في المسألة متقدم على فتياه فيها فلما أفتى خصمه وهو المجتهد الآخر وبقي هو لم يفت بعد فله أن يقول ما ظهر بالدليل أي شيء كان لأنه ليس قبل قوله إجماع إنما هو قول خصمه فقط فله هو إذا قال خصمه لا يحنث عندي في الجميع له هو أن يقول يحنث عندي في البعض دون البعض والإجماع يصده حينئذ عن ذلك ولو اعتمد على ما قاله المناظر الآن من قوله لا قائل بالفرق لم يتأت له ذلك ومتى كان مدرك المناظر لا يصح أن يكون مدرك المجتهد لم يصح . نعم هذه الطريقة تتم في المناظرة جدلا بعد تقرر المذاهب أما والمجتهد يجتهد فلا يصح له الاعتماد على ذلك وبالجملة فالمسألة عندنا مشكلة إشكالا قويا فتأمله
[ ص: 78 ]
( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=21093الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ )
وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ
أَحَدُهَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10981_11010الْعَقْدَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ فَتَرْتَفِعُ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ بِعَقْدِ الْأَبِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَالْمَبْتُوتَةُ لَا يَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا إلَّا بِعَقْدِ الْمُحَلِّلِ وَوَطْئِهِ وَعَقْدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ فَوْقَ تِلْكَ الرُّتْبَةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِكَثِيرٍ
وَثَانِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=9151_8106الْمُسْلِمُ مُحَرَّمُ الدَّمِ لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالرِّدَّةِ أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=9152_10379_9139_9151زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا وَهِيَ
[ ص: 74 ] أَسْبَابٌ عَظِيمَةٌ فَإِذَا أُبِيحَ دَمُهُ بِالرِّدَّةِ حُرِّمَ بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ وَفِي الزِّنَى بِالتَّوْبَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَمَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْمِهِ وَلَوْ تَابَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ وَالتَّوْبَةُ أَيْسَرُ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ وَأَقَلُّ تَحْتِيمًا عَلَى الْعَبْدِ
وَثَالِثُهَا الْأَجْنَبِيَّةُ لَا يَزُولُ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا إلَّا بِالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إذْنِهَا وَوَلِيِّهَا وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ ، وَإِبَاحَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكْفِي فِيهَا الطَّلَاقُ فَتَرْتَفِعُ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ
وَرَابِعُهَا
nindex.php?page=treesubj&link=9150الْحَرْبِيُّ مُبَاحُ الدَّمِ تَزُولُ إبَاحَتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ سَبَبٌ لَطِيفٌ وَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِالتَّأْمِينِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يُزِيلُ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ خُرُوجٍ عَلَيْنَا أَوْ قَصْدٍ لِقَتْلِنَا حِرَابَةً وَخُرُوجِنَا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ فَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا يُبَاحُ دَمُهُ بِكُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَةٍ قَوِيَّةٍ كَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ مُجَاهَرَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمُنَاقَشَةٍ عَظِيمَةٍ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْفَرْقُ وَاقِعٌ فِيهَا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ رَامَ الْأَصْحَابُ تَخْرِيجَ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الْحِنْثَ خُرُوجٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْسَرُ سَبَبٍ فَيَحْنَثُ بِجُزْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ لُبَابَهُ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ وَإِبَاحَةٍ حَتَّى يَحْنَثَ وَلَا يَبْرَأُ إذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ وَهَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ إنْ ادَّعَوْا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلِّيَّةً فِي الشَّرِيعَةِ مَنَعْنَاهَا لِانْدِرَاجِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِيهَا فَلِلْخَصْمِ مَنْعُهَا وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ صُورَةٌ قَلِيلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَضَمُّوا إلَيْهَا أَمْثَالَهَا فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمُثُلِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهَا لَوْ انْتَهَتْ إلَى الْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَكَمْ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا : كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ كُلِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ وَتِلْكَ الْأَعْدَادُ الَّتِي هِيَ زَوْجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ لَا صَادِقَةٌ .
وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُوجِبُ كَوْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ فَأَيْنَ الْجَامِعُ الْمُنَاسِبُ لِخُصُوصِ الْحُكْمِ السَّالِمِ عَنْ الْفَوَارِقِ أَوْ الدَّلِيلُ غَيْرُ الْقِيَاسِ فَأَيْنَ هُوَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ
[ ص: 75 ] وَالنَّهْيِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَهُوَ كَالْأَمْرِ أَوْ لَا يَفْعَلُ فَهُوَ كَالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ حَانِثًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا هَذَا الْمُخَرِّجُ مُنْعَكِسَةٌ بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ إيجَابٌ لِكُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ أَجْزَائِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الْأَرْبَعِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ نَهْيٌ عَنْ كُلِّ خِنْزِيرِ الْخِنْزِيرُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَجَمِيعُ جُزَيْئَاتِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزَيْئَاتِهَا فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ
[ ص: 76 ] أَمْرًا بِإِعْتَاقِ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ وَجَمِيعِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي حُصُولِ مَاهِيَّةِ الرَّقَبَةِ شَخْصٌ مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْجُزَيْئَاتِ الْحُكْمُ مُنْعَكِسٌ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّخْرِيجُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَلَا يُفْتِي بِهِ فَقِيهٌ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12671الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : الْمَعْطُوفَاتُ نَحْوُ .
وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا ، وَالْجُمُوعُ وَالتَّثَنِّيَاتُ نَحْوُ لَا أَكَلْت الْأَرْغِفَةَ أَوْ الرَّغِيفَيْنِ ، وَأَسْمَاءُ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُفْرَدَةِ كَالرَّغِيفِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْخِلَافُ فِيهَا وَاحِدٌ فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَعِنْدَنَا بِالْبَعْضِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ ، فَنَقُولُ أَجْمَعْنَا عَلَى مَا
nindex.php?page=treesubj&link=16535إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=19وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ [ ص: 77 ] وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ } فَذِكْرُ لَا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ مَنْفِيٌّ فَحَيْثُ تُرِكَتْ لَا كَانَ الْمَعْنَى مِثْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ لَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ غَيْرَ التَّوْكِيدِ وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ التَّحْنِيثُ مَعَ لَا الْمُؤَكِّدَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَبْلَهَا التَّحْنِيثُ تَحْقِيقًا لِحَقِيقَةِ التَّأْكِيدِ .
وَإِذَا اتَّضَحَ الْحِنْثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمُدْرَكٍ صَحِيحٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ الْحِنْثَ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ إذْ لَوْ ثَبَتَ الْحِنْثُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَزِمَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ وَأَتْبَاعُهُ وَقَائِلٌ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْعَطْفِ دُونَ غَيْرِهَا كَانَ قَوْلًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ عِنْدَ الْخِلَافِيَّيْنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ فِي بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ دُونَ بَعْضِهَا فَيُفْرَضُ الِاسْتِدْلَال فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا فَإِذَا تَمَّ لَهُ فِيهَا الدَّلِيلُ بَنَى الْبَاقِيَ مِنْ الصُّوَرِ عَلَيْهَا فَسُمِّيَ ذَلِكَ طَرِيقَةَ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُنَاظِرَ قَائِمٌ مَقَامَ إمَامِهِ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِنَا لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةَ إنَّمَا جَاءَتْنَا بَعْدَ فُتْيَاهُ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمُدْرَكُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى فُتْيَاهُ فِيهَا فَلَمَّا أَفْتَى خَصْمُهُ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ وَبَقِيَ هُوَ لَمْ يُفْتِ بَعْدُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا ظَهَرَ بِالدَّلِيلِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ قَوْلِهِ إجْمَاعٌ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ خَصْمِهِ فَقَطْ فَلَهُ هُوَ إذَا قَالَ خَصْمُهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْجَمِيعِ لَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَالْإِجْمَاعُ يَصُدُّهُ حِينَئِذٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُنَاظِرُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ مُدْرَكُ الْمُنَاظِرِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَصِحَّ . نَعَمْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ تَتِمُّ فِي الْمُنَاظَرَةِ جَدَلًا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْمَذَاهِبِ أَمَّا وَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا مُشْكِلَةٌ إشْكَالًا قَوِيًّا فَتَأَمَّلْهُ
[ ص: 78 ]