[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم ( الفرق السادس والأربعون بين قاعدة ما يطلب جمعه وافتراقه وبين قاعدة ما يطلب افتراقه دون جمعه وبين قاعدة ما يطلب جمعه دون افتراقه )
nindex.php?page=treesubj&link=20727المطلوبات في الشريعة ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يطلب وحده ومع غيره كالإيمان بالله تعالى ورسله فإنه مطلوب في نفسه وهو شرط في كل عبادة والشرط مطلوب الحصول مع المشروط فالإيمان مطلوب الجمع مع كل عبادة غير أنه قد يكتفى منه بالإيمان الحكمي تخفيفا على العبد فإن استحضاره في كل عبادة وفي جميع أجزائها بما يشق على المكلف فيكتفى بتقديمه فعلا ثم يستصحب حكما ، وكالدعاء مطلوب في نفسه والسجود في الصلاة مطلوب في نفسه والجمع بينهما مطلوب وكالتسبيح والتهليل والتعظيم والإجلال كل منهما مطلوب في نفسه والركوع في الصلاة مطلوب في نفسه أيضا والجمع بينهما أيضا مطلوب في نفسه ونحو هذه النظائر .
القسم الثاني : وهو ما يطلب منفردا دون جمعه مع غيره فاعلم أن المطلوبين في الشريعة قد يكون الجمع بينهما غير مطلوب وربما كان منهيا عنه وقد يكون الجمع بينهما مطلوبا كما تقدم مثال هذا القسم قراءة القرآن مطلوبة والركوع والسجود مطلوبان ومع ذلك فقد ورد النهي عن الجمع بينهما بقوله عليه السلام {
نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا } عكس ما ورد في الدعاء مع السجود وقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87219أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فعسى أن يستجاب لكم } .
القسم الثالث : ما يطلب جمعه دون افتراقه فكالركوع مع سجدتين في الصلاة فإن ذلك مطلوب الجمع ولم يشرع التقرب بأحدهما منفردا وكالوقوف
بعرفة مع رمي الجمار كل واحد منهما مطلوب مع الآخر وليس مطلوبا منفردا وكالحلاق مع الحج أو العمرة ليس قربة على انفراده والجمع بينهما قربة ونحو ذلك مما يدل الاستقراء عليه فهذا تمثيل هذه الأقسام ، وأما وجه المناسبة في هذه المواطن باعتبار هذه الأحكام فقد يحصل وقد لا يحصل فيكون ذلك تعبدا لا يطلع على حكمته فالإيمان لما كان الأصل في كل تقرب اشترط جمعه ليتحقق التقرب فإن التقرب بالعبادة
[ ص: 3 ] فرع التصديق بالآمر بها والجمع بين الفرع وأصله مناسب وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24992_1868الدعاء مع السجود والثناء مع الركوع فمبني على قاعدة وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتقربوا إليه على حسب ما جرت العادة به مع الأماثل والملوك والأكابر فإن الطاعات كلها والمعاصي كلها نسبتها إلى الله تعالى نسبة واحدة لا تزيده الطاعات ولا تنقصه المعاصي وإنما أمر عباده لتظهر منهم الطاعة على حسب ما جرت العادة به مع الأكابر ، ولذلك لما كان السجود في العبادة أبلغ من الركوع قال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87220أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا } وكان بذل الدينار أفضل من بذل الدرهم في الصدقة ؛ لأنه في العادة أبلغ وارتكاب المشاق في تحصيل المأمور يكون موجبا لمزيد الأجر ؛ لأنه في العادة يدل على المبالغة في الطواعية فقال عليه السلام {
أفضل العبادة أحمزها } أي أشقها .
ولما جرت عادة الناس مع الملوك أن يقدموا الثناء عليهم قبل الطلب منهم تطييبا لقلوبهم واستعطافا لأنفسهم جعل الله سبحانه وتعالى الثناء والتمجيد له في الركوع وجعل الدعاء في السجود بعد الثناء ولهذا المعنى لما سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1344أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله } فقيل له هذا الثناء فأين الدعاء فأنشد أبيات
أمية بن أبي الصلت الثقفي أأطلب حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضك الثناء كريم لا يغيره صباح
عن الخلق الجميل ولا مساء وعلمك بالحقوق وأنت قدما
لك الحسب المهذب والوفاء
.
يعني فلما كان الثناء يحصل من الكريم ما يحصله الدعاء سمي الثناء على الله تعالى دعاء ؛ لأنه سبحانه أكرم الأكرمين وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36619من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين } فهذا هو وجه المناسبة في الثناء في الركوع والدعاء في السجود ، وأما المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=1566_1534الجمع بين القراءة والركوع فلأن القراءة جعل لها الشرع موطنا وهو القيام ؛ لأنه حالة استقرار يتمكن فيه الفكر من التأمل لمعاني القراءة والاتعاظ بوعيدها ووعدها والتفكير في معانيها على اختلافها مع حسن الإقبال على الله تعالى بالمناجاة ، وهذه الأحوال لا تناسب الركوع والسجود لضيق النفس وضجرها في حالة الانحناء وانحصار الأعضاء وحبس النفس فتناسب المنع من القراءة في هذين الموطنين ولأن القراءة لما عين لها موطن ناسب أن تعين بقية المواطن لغيرها من الثناء المحض والدعاء المحض فإن القراءة قد لا تكون ثناء ولا دعاء فتشتمل الصلاة على جميع أنواع القربات ولا تختص بنوع معين فتكون حينئذ أفضل الأعمال كما جاء في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87180أفضل أعمالكم الصلاة }
[ ص: 4 ] وهذه المواطن الثلاث مناسبة كل واحد منها لما وضع فيه فالقراءة في القيام للتمكن والدعاء في السجود لفرط القرب والثناء عليه ؛ لأنه عادة الملوك وأما كون الركوع لا يتقرب به وحده بخلاف السجدة الواحدة فإنها شرعت قربة في التلاوة وشكر النعم عند من يرى
nindex.php?page=treesubj&link=1917_1890سجدة الشكر ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه يراها دون مالك فوجه المناسبة في المنع من التقرب بالركوع وحده لم أقف فيه على شيء ولا يبعد أنه تعبد ، وكذلك أركان الحج التي لا يتقرب بها منفردة الغالب عليها التعبد بخلاف الطواف فإنه شرع قربة وحده دون السعي فإنه لا يشرع قربة وحده وإن كان قد اشترط مع الطواف صلاة ركعتين وعلى هذه القواعد والفروق انبنى قول القائل لو لم يكن الصوم شرطا في الاعتكاف لما صار شرطا له بالنذر كالصلاة لكنه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=2609_2611_4218_4192_2568نذر أن يعتكف صائما لزمه ذلك ووجب الصوم وصحة هذا الكلام مبني على قاعدتين :
القاعدة الأولى أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب ولما أثر النذر في وجوب الصوم مع الاعتكاف إذا نذره دل ذلك على أنه مطلوب أن يجمع بينهما .
والقاعدة الثانية : أنه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=2609_2610_4192_4218نذر أن يصلي صائما لم يلزمه ذلك ؛ لأن الجمع بين الصلاة والصوم غير مطلوب وإن كان كل واحد منهما مطلوبا في نفسه فلذلك لم يؤثر النذر في الجمع بين الصلاة والصوم .
[ ص: 2 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ )
nindex.php?page=treesubj&link=20727الْمَطْلُوبَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : مَا يُطْلَبُ وَحْدَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقْدِيمِهِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا ، وَكَالدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبٌ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَنَحْوُ هَذِهِ النَّظَائِرِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ مَا يُطْلَبُ مُنْفَرِدًا دُونَ جَمْعِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ قَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مَطْلُوبٍ وَرُبَّمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُ هَذَا الْقِسْمِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَطْلُوبَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا } عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87219أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ } .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَكَالرُّكُوعِ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَكَالْوُقُوفِ
بِعَرَفَةَ مَعَ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ مَعَ الْآخَرِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مُنْفَرِدًا وَكَالْحِلَاقِ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لَيْسَ قُرْبَةً عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُرْبَةٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَيْهِ فَهَذَا تَمْثِيلُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ، وَأَمَّا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَبُّدًا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ فَالْإِيمَانُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ اُشْتُرِطَ جَمْعُهُ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَرُّبُ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ
[ ص: 3 ] فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْآمِرِ بِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلِهِ مُنَاسِبٌ وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24992_1868الدُّعَاءُ مَعَ السُّجُودِ وَالثَّنَاءُ مَعَ الرُّكُوعِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ فَإِنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا وَالْمَعَاصِيَ كُلَّهَا نِسْبَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى نِسْبَةً وَاحِدَةً لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَنْقُصُهُ الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ لِتَظْهَرَ مِنْهُمْ الطَّاعَةُ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَكَابِرِ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ فِي الْعِبَادَةِ أَبْلَغَ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87220أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا } وَكَانَ بَذْلُ الدِّينَارِ أَفْضَلَ مِنْ بَذْلِ الدِّرْهَمِ فِي الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَبْلَغُ وَارْتِكَابُ الْمَشَاقِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ يَكُونُ مُوجِبًا لِمَزِيدِ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الطَّوَاعِيَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْمَزُهَا } أَيْ أَشَقُّهَا .
وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مَعَ الْمُلُوكِ أَنْ يُقَدِّمُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَاسْتِعْطَافًا لِأَنْفُسِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّنَاءَ وَالتَّمْجِيدَ لَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَعَلَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمَّا سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1344أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } فَقِيلَ لَهُ هَذَا الثَّنَاءُ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشَدَ أَبْيَاتِ
أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا
كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِك الثَّنَاءُ كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ
عَنْ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قِدَمًا
لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالْوَفَاءُ
.
يَعْنِي فَلَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ يُحَصِّلُ مِنْ الْكَرِيمِ مَا يُحَصِّلُهُ الدُّعَاءُ سُمِّيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءً ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36619مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ } فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1566_1534الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ جَعَلَ لَهَا الشَّرْعُ مَوْطِنًا وَهُوَ الْقِيَامُ ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ اسْتِقْرَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْفِكْرُ مِنْ التَّأَمُّلِ لِمَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِوَعِيدِهَا وَوَعْدِهَا وَالتَّفْكِيرِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ حُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُنَاجَاةِ ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ لَا تُنَاسِبُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِضِيقِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِنَاءِ وَانْحِصَارِ الْأَعْضَاءِ وَحَبْسِ النَّفَسِ فَتُنَاسِبُ الْمَنْعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمَّا عُيِّنَ لَهَا مَوْطِنٌ نَاسَبَ أَنْ تُعَيَّنَ بَقِيَّةُ الْمَوَاطِنِ لِغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ الْمَحْضِ وَالدُّعَاءِ الْمَحْضِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ قَدْ لَا تَكُونُ ثَنَاءً وَلَا دُعَاءً فَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87180أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ }
[ ص: 4 ] وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثُ مُنَاسِبَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا وُضِعَ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الْقِيَامِ لِلتَّمَكُّنِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِفَرْطِ الْقُرْبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَأَمَّا كَوْنُ الرُّكُوعِ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ قُرْبَةً فِي التِّلَاوَةِ وَشُكْرِ النِّعَمِ عِنْدَ مَنْ يَرَى
nindex.php?page=treesubj&link=1917_1890سَجْدَةَ الشُّكْرِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَاهَا دُونَ مَالِكٍ فَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالرُّكُوعِ وَحْدَهُ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ ، وَكَذَلِكَ أَرْكَانُ الْحَجِّ الَّتِي لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا مُنْفَرِدَةً الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ شُرِعَ قُرْبَةً وَحْدَهُ دُونَ السَّعْيِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ قُرْبَةً وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُشْتُرِطَ مَعَ الطَّوَافِ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالْفُرُوقِ انْبَنَى قَوْلُ الْقَائِلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا صَارَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=2609_2611_4218_4192_2568نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ الصَّوْمُ وَصِحَّةُ هَذَا الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ :
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ وَلَمَّا أَثَّرَ النَّذْرُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ إذَا نَذَرَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا .
وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=2609_2610_4192_4218نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا فِي نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ النَّذْرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ .