( الفرق الثامن والأربعون بين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=20522التخيير الذي يقتضي التسوية وبين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=20522التخيير الذي لا يقتضي التسوية بين الأشياء المخير بينها )
جمهور الفقهاء يعتقدون أن صاحب الشرع أو غيره إذا خير بين أشياء يكون حكم تلك الأشياء واحدا وأن لا يقع التخيير إلا بين واجب وواجب أو مندوب ومندوب أو مباح ومباح وكذلك هو مسطور في كتب أصول الفقه وكتب الفقه وليس الأمر كذلك بل هنالك تخيير يقتضي التسوية وتخيير لا يقتضيها وتحرير الفرق بين القاعدتين أن التخيير متى وقع بين الأشياء المتباينة وقعت التسوية أو بين الجزء والكل أو أقل أو أكثر لم تقع التسوية ويتضح لك هذا الفرق بذكر أربع مسائل .
( المسألة الأولى )
nindex.php?page=treesubj&link=20522_26927تخييره تعالى بين خصال الكفارة في الحنث اقتضى ذلك التسوية في الحكم وهو الوجوب في المشترك بينها وهو مفهوم أحدها والتخيير في الخصوصيات وهو العتق والكسوة والإطعام فالمشترك متعلق الوجوب من غير تخيير والخصوصيات متعلق التخيير من غير إيجاب وعلى كل
[ ص: 9 ] تقدير فحكم كل خصلة من الخصال حكم الخصلة الأخرى ؛ لأنها أمور متباينة .
( المسألة الثانية ) قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا } قال بعض العلماء خيره الله تعالى بين الثلث والنصف والثلثين ؛ لأن قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=3أو انقص منه قليلا } أي انقص من النصف والمراد الثلث أو زد عليه أي على النصف ، والمراد بالزيادة على النصف السدس فيكون المراد الثلثين كذا وقع في تفسير هذه الآية وهذا تخيير وقع بين ثلاثة أشياء كخصال الكفارة ومع ذلك فالثلث واجب لا بد منه والنصف والثلثان مندوبان يجوز تركها وفعلهما أولى فقد وقع
nindex.php?page=treesubj&link=20522التخيير بين الواجب والمندوب بسبب أن التخيير وقع بين أقل وأكثر والأقل جزء فهذا مفارق للتخيير بين خصال الكفارة فتأمله فهو لا يكاد يخطر بالبال إلا أن التخيير يقتضي التسوية مطلقا .
( المسألة الثالثة ) قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية خير الله تعالى المسافر بين ركعتين أو أربع والركعتان واجبتان جزما والزائد ليس بواجب ؛ لأنه يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا وأما الركعتان
[ ص: 10 ] فلا يجوز تركهما إجماعا فقد وقع
nindex.php?page=treesubj&link=20522التخيير بين الواجب وما ليس بواجب وهذا خلاف المتعارف المعهود من القاعدة وسببه أن التخيير وقع بين جزء وكل لا بين أشياء متباينة .
( المسألة الرابعة ) أجمعت الأمة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20522_24493_25940_25084صاحب الدين على المعسر مخير بين النظرة والإبراء وأن الإبراء أفضل في حقه وأحدهما واجب حتما وهو ترك المطالبة والإبراء ليس بواجب والسبب في هذا أن الإبراء يتضمن النظرة وترك المطالبة فصار من باب الأقل والأكثر وهذه المسألة مستثناة من قاعدتين إحداهما قاعدة التخيير كما تقدم والثانية قاعدة أن الواجب أفضل من المندوب فإن المندوب في هذه الصورة وهو الإبراء
[ ص: 11 ] أفضل من الواجب الذي هو الإنظار فتحرر حينئذ الفرق بين القاعدتين وأن التخيير إذا وقع بين المتباينات اقتضى التسوية بين الأقل والأكثر والجزء والكل لا يقتضي التسوية بل يتحتم الأقل والجزء دون الزائد عليه .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=20522التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=20522التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا )
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَوْ غَيْرَهُ إذَا خَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ يَكُونُ حُكْمُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَاحِدًا وَأَنْ لَا يَقَعَ التَّخْيِيرُ إلَّا بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَمَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَكَذَلِكَ هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هُنَالِكَ تَخْيِيرٌ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَتَخْيِيرٌ لَا يَقْتَضِيهَا وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ التَّخْيِيرَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ وَقَعَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقَعْ التَّسْوِيَةُ وَيَتَّضِحُ لَك هَذَا الْفَرْقُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى )
nindex.php?page=treesubj&link=20522_26927تَخْيِيرُهُ تَعَالَى بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا وَالتَّخْيِيرُ فِي الْخُصُوصِيَّاتِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَعَلَى كُلِّ
[ ص: 9 ] تَقْدِيرٍ فَحُكْمُ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ حُكْمُ الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُتَبَايِنَةٌ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=3أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا } أَيْ اُنْقُصْ مِنْ النِّصْفِ وَالْمُرَادُ الثُّلُثُ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ ، وَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ السُّدُسُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الثُّلُثَيْنِ كَذَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا تَخْيِيرٌ وَقَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالثُّلُثُ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالنِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ مَنْدُوبَانِ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَفِعْلُهُمَا أَوْلَى فَقَدْ وَقَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=20522التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِسَبَبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَالْأَقَلُّ جُزْءٌ فَهَذَا مُفَارِقٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ لَا يَكَادُ يَخْطُرُ بِالْبَالِ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مُطْلَقًا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } الْآيَةَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسَافِرَ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَالرَّكْعَتَانِ وَاجِبَتَانِ جَزْمًا وَالزَّائِدُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ
[ ص: 10 ] فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا فَقَدْ وَقَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=20522التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20522_24493_25940_25084صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَأَحَدُهُمَا وَاجِبٌ حَتْمًا وَهُوَ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ وَالْإِبْرَاءُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَضَمَّنُ النَّظِرَةَ وَتَرْكَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ
[ ص: 11 ] أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَتَحَرَّرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَأَنَّ التَّخْيِيرَ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَاتِ اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءُ وَالْكُلُّ لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةُ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْأَقَلُّ وَالْجُزْءُ دُونَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ .