( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل ) وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا ولذلك يقولون سد الذرائع ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك الفعل في كثير من الصور وليس سد الذرائع من خواص مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كما يتوهمه كثير من المالكية بل
nindex.php?page=treesubj&link=22144الذرائع ثلاثة أقسام قسم أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه كحفر الآبار في طرق المسلمين فإنه وسيلة إلى إهلاكهم وكذلك إلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر فإنه لم يقل به أحد وكالمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنى .
وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا ؟ كبيوع الآجال عندنا كمن
nindex.php?page=treesubj&link=22144_4471_4673باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر nindex.php?page=showalam&ids=16867فمالك يقول : إنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل توسلا بإظهار صورة البيع لذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يقول ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك وهذه البيوع يقال إنها تصل إلى ألف مسألة اختص بها
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وخالفه فيها
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وكذلك اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=22144_19345_15262النظر إلى النساء هل يحرم ؛ لأنه يؤدي إلى الزنى أو لا يحرم والحكم بالعلم هل يحرم ؛ لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء أو لا يحرم وكذلك اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26457_26451تضمين الصناع ؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم فتتغير السلع فلا يعرفها ربها إذا بيعت فيضمنون سدا لذريعة الأخذ أم لا يضمنون ؛ لأنهم أجراء وأصل الإجارة على الأمانة قولان وكذلك تضمين حملة الطعام
[ ص: 33 ] لئلا تمتد أيديهم إليه وهو كثير في المسائل فنحن قلنا بسد هذه الذرائع ولم يقل بها
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فليس سد الذرائع خاصا
nindex.php?page=showalam&ids=16867بمالك رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه .
( تنبيه ) اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج
nindex.php?page=treesubj&link=22144وموارد الأحكام على قسمين مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة .
( تنبيه ) القاعدة أنه
nindex.php?page=treesubj&link=22144كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه وإلا فهو مشكل على القاعدة .
( تنبيه ) قد
nindex.php?page=treesubj&link=22144تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك ، وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا ، فهذه الصور كلها الدفع وسيلة إلى المعصية بأكل المال ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة .
( تنبيه ) تفرع على هذا الفرق فرق آخر وهو الفرق بين
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850كون المعاصي أسبابا للرخص وبين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850مقارنة المعاصي لأسباب الرخص ، فإن الأسباب من جملة الوسائل وقد التبست هاهنا على كثير من الفقهاء فأما المعاصي فلا تكون أسبابا للرخص ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ؛ لأن سبب هذين السفر وهو في هذه الصورة معصية فلا يناسب الرخصة ؛ لأن ترتيب الترخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها .
وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعا كما
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850يجوز لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء وهو رخصة وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم
[ ص: 34 ] والجلوس إذا أضر به القيام في الصلاة ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص ولا تمنع المعاصي من ذلك ؛ لأن أسباب هذه الأمور غير معصية بل هي عجزه عن الصوم ونحوه والعجز ليس معصية فالمعصية هاهنا مقارنة للسبب لا سبب وبهذا الفرق يبطل قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها ؛ لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب ويلزم هذا القائل أن لا يبيح للعاصي جميع ما تقدم ذكره وهو خلاف الإجماع فتأمل هذا الفرق فهو جليل حسن في الفقه ويلزم هذا القائل أن يجعل السفر هو سبب عدم الطعام المباح حتى احتاج إلى أكل الميتة أن من خرج ليسرق فوقع فانكسرت يده أن لا يمسح على الجبيرة ولا يفطر إذا خاف من الصوم ومن الكسر الهلاك وأن لا يتيمم إذا عجز عن استعمال الماء حتى يتوب كما قال في الأكل في السفر فيلزم بقاء المصر على معصيته بلا صلاة لعدم الطهارة وتتعطل عليه أمور كثيرة من الأحكام ولا قائل بها فتأمل ذلك .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ ) وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْوَسَائِلِ بِالذَّرَائِعِ وَهُوَ اصْطِلَاحُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَاهُ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ مِنْ خَوَاصِّ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=22144الذَّرَائِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ وَكَذَلِكَ إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا وَقِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَكَالْمَنْعِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى .
وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا ؟ كَبُيُوعِ الْآجَالِ عِنْدَنَا كَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22144_4471_4673بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ nindex.php?page=showalam&ids=16867فَمَالِكٌ يَقُولُ : إنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشْرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فَهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ تَوَسُّلًا بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْبُيُوعُ يُقَالُ إنَّهَا تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ اخْتَصَّ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ وَخَالَفَهُ فِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22144_19345_15262النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ هَلْ يُحَرَّمُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَى أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ هَلْ يُحَرَّمُ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26457_26451تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِي السِّلَعِ بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ السِّلَعُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ فَيَضْمَنُونَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ أَمْ لَا يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ تَضْمِينُ حَمَلَةِ الطَّعَامِ
[ ص: 33 ] لِئَلَّا تَمْتَدَّ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ فَنَحْنُ قُلْنَا بِسَدِّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا
nindex.php?page=showalam&ids=16867بِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ .
( تَنْبِيهٌ ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ فَكَمَا أَنَّ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ فَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ
nindex.php?page=treesubj&link=22144وَمَوَارِدُ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا وَوَسَائِلُ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَيْهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ غَيْرَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فِي حُكْمِهَا وَالْوَسِيلَةُ إلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا يُتَوَسَّطُ مُتَوَسِّطَةٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْوَسَائِلِ الْحَسَنَةِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةَ الْوَسِيلَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=22144كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=22144تَكُونُ وَسِيلَةُ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفَضْت إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْهَا إلَّا بِذَلِكَ ، وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْقَتْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا ، فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا الدَّفْعُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَعْصِيَةِ بِأَكْلِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِرُجْحَانِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) تَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ ، فَإِنَّ الْأَسْبَابَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَسَائِلِ وَقَدْ الْتَبَسَتْ هَاهُنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَلِذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَيْنِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ الرُّخْصَةَ ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ التَّرَخُّصِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ سَعْيٌ فِي تَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِهَا .
وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَلَا تَمْتَنِعُ إجْمَاعًا كَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=22144_26850يَجُوزُ لِأَفْسَقِ النَّاسِ وَأَعْصَاهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ
[ ص: 34 ] وَالْجُلُوسُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَيُقَارِضُ وَيُسَاقِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الرُّخَصِ وَلَا تَمْنَعُ الْمَعَاصِي مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ بَلْ هِيَ عَجْزُهُ عَنْ الصَّوْمِ وَنَحْوُهُ وَالْعَجْزُ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَالْمَعْصِيَةُ هَاهُنَا مُقَارَنَةٌ لِلسَّبَبِ لَا سَبَبٌ وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ أَكْلِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا سَفَرُهُ فَالْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ لَا يُبِيحَ لِلْعَاصِي جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ جَلِيلٌ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ يَجْعَلَ السَّفَرَ هُوَ سَبَبُ عَدَمِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ حَتَّى احْتَاجَ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِيَسْرِقَ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَتْ يَدُهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَلَا يُفْطِرَ إذَا خَافَ مِنْ الصَّوْمِ وَمِنْ الْكَسْرِ الْهَلَاكَ وَأَنْ لَا يَتَيَمَّمَ إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا قَالَ فِي الْأَكْلِ فِي السَّفَرِ فَيَلْزَمُ بَقَاءُ الْمُصِرِّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِلَا صَلَاةٍ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ وَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا قَائِلَ بِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ .