[ ص: 122 ] ( الفرق الخامس والثمانون
nindex.php?page=treesubj&link=20535_20547الفرق بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب ) اعلم أن القاعدة والغالب أن الواجب يكون أفضل من المندوب وإليه الإشارة بقوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87274ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها } الحديث في
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره قد صرح الحديث بأن الواجب أفضل من غيره ومتى
nindex.php?page=treesubj&link=20547_20535تعارض الواجب والمندوب قدم الواجب على المندوب وباعتبار هذه القاعدة ورد سؤال مشكل وهو أن السنة وردت بالجمع بين الصلاتين للظلام والمطر والطين وهذا الجمع يلزم منه تقديم المندوب على الواجب وذلك أن الجماعة يلحقهم ضرر بخروجهم من المسجد إلى بيوتهم وعودهم لصلاة العشاء وكذلك إذا قيل لهم أقيموا في المسجد حتى يدخل وقت العشاء حتى تصلوها وهذا الضرر يندفع بأحد أمرين إما بتفويت فضيلة الجماعة بأن يخرجوا الآن ويصلوا في بيوتهم أفذاذا وإما بأن يصلوا الآن الصلاتين على سبيل الجمع فتفوت مصلحة الوقت وتأخير الصلاة إلى وقتها واجب فضاع الواجب بالجمع فلو حفظ هذا الواجب ضاع المندوب الذي فضيلة الجماعة فقد تعارض واجب ومندوب في دفع هذه الضرورة عن المكلف فقدم المندوب على الواجب فحصل وترك الواجب فذهب وهو خلاف القاعدة
[ ص: 123 ]
والمعهود في الشريعة دفع الضرر بترك الواجب إذا تعين طريقا لدفع الضرر كالفطر في رمضان وترك ركعتين من الصلاة لدفع ضرورة السفر وكذلك يستعمل المحرم لدفع الضرر كأكل الميتة لدفع ضرر التلف وتساغ الغصة بشرب الخمر كذلك وذلك كله لتعين الواجب أو المحرم طريقا لدفع الضرر أما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=20547أمكن تحصيل الواجب أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات لا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم ولذلك لا يترك الغسل بالماء ولا القيام في الصلاة ولا السجود لدفع الضرر والألم والمرض إلا لتعينه طريقا لدفع ذلك الضرر وهذا كله قياس مطرد
[ ص: 124 ]
وقد خولف هذا القياس بالجمع المتقدم ذكره وترك الواجب وفعل المندوب في دفع الضرر وكذلك الجمع
بعرفة ترك فيه واجبان أحدهما تأخير الصلاة لوقتها وهي العصر فتقدم وتصلى مع الظهر مع إمكان الجمع في تحصيل مصلحة الوقت ودفع الضرر وثانيهما ترك الجمعة إذا جاءت يوم
عرفة ويصلى الظهر أربعا فترك الواجب أيضا لا لدفع الضرر لأنه يندفع بالجمع بين العصر والجمعة كما يندفع بالجمع بين الظهر والعصر ولذلك لما حج
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ومعه
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف واجتمعا
nindex.php?page=showalam&ids=16867بمالك في
المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وقع البحث في ذلك فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف إذا اجتمع الجمعة والظهر يوم
عرفة قدمت الجمعة لأنها أفضل وواجبة قبل الظهر مع الإمكان قال له
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إن ذلك خلاف السنة فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف من أين لك ذلك وأنه
[ ص: 125 ] خلاف السنة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ركعتين قبلهما خطبة وهذه هي صلاة الجمعة فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك جهر فيهما أو أسر فسكت
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف فظهرت الحجة
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك رضي الله عنهم أجمعين بسبب الإسرار لأن الجمعة جهرية فلما صلى عليه السلام ركعتين سرا دل ذلك على أنه صلى الظهر سفرية وترك الجمعة والخطبة ليوم
عرفة لا ليوم الجمعة لأن
عرفة إنما خطبته لتعليم الناس مناسك الحج كانت في يوم الجمعة أم لا والجواب عن الجمع وترك الجمعة
بعرفة أيسر من الجواب عن الجمع ليلة المطر .
أما الجواب عن
عرفة وترك الجمعة فلأن الغالب على الحجيج السفر وفرض المسافر الظهر دون الجمعة فجعل النادر تبعا للغالب فمن هو مقيم
بعرفة أو منزله قريب من
عرفة فترك الجمعة على هذا التقدير ليس ترك الواجب .
وأما ترك تأخير الصلاة إلى وقتها وهي العصر فلضرورة الحجاج في ذلك اليوم للإقبال على الدعاء والابتهال والتقرب اللائق
بعرفة وهو يوم لا يكاد يحصل في العمر إلا مرة بعد ضنك الأسفار وقطع البراري والقفار وإنفاق الأموال من الأقطار البعيدة والأوطان النائية فناسب أن يقدم هذا على مصلحة وقت العصر ويكون هذا ضررا يوجب التقديم كما يوجب فوات الزمان التقديم في حق المسافر يجمع بين الصلاتين بل هذا أعظم من فوات الزمان لأن الإنسان يمكنه أن لا يسافر أو يسافر معه رفقة موافقين على النزول في أوقات الصلوات فهو ضرر يمكن التحرز منه من حيث الجملة أما مصالح الحج فأمر لازم للعبد ولا خروج له عنها ولا يمكن العدول عنها إلى غيرها فهذا جواب يمكن أن يقال في جمع
عرفة دون جمع ليلة المطر .
وأما جمع المسافر والمريض إذا خاف الغلبة على عقله آخر الوقت فهو متعين لدفع الضرر بخلاف جمع المطر لم يتعين ترك الواجب لدفع الضرر ولو لم يجمع المسافر والمريض ضاع الواجب آخر الوقت وهو الصلاة الأخيرة بغيبة العقل وضرورة المرض أو دخل الضرر بفوات الرفاق والجمع ليلة المطر لو ترك إنما يفوت المندوب الذي هو الجماعة .
وأما الصلوات فتصلى على أفضل الأحوال في البيوت عند دخول الأوقات فهذا جمع يختص بهذا السؤال القوي والجواب عنه إذا حصل يقوي الجواب يوم
عرفة فنشرع في الجواب عنه فإنه من الأسئلة المشكلة فنقول إن المندوبات قسمان قسم
nindex.php?page=treesubj&link=20547تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب وهذا هو الغالب
[ ص: 126 ] فإن أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة حتى يكون أدنى المصالح يترتب عليه الثواب ثم تترقى المصلحة والندب وتعظم رتبته حتى يكون أعلى رتب المندوبات تليه أدنى رتب الواجبات وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها أدنى رتب المكروهات ثم تترقى المفاسد والكراهة في العظم حتى يكون أعلى رتب المكروهات يليه أدنى رتب المحرمات هذا هو القاعدة العامة ثم إنه قد وجد في الشريعة مندوبات أفضل من الواجبات وثوابها أعظم من ثواب الواجبات وذلك يدل على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات لأن الأصل في كثرة الثواب وقلته كثرة المصالح وقلتها ألا ترى أن ثواب التصدق بدينار أعظم من ثواب التصدق بدرهم لأنه أعظم مصلحة وسد خلة الوالي الصالح أعظم من سد خلة الفاسق الطالح لأن مصلحة بقاء الولي والعالم في الوجود لنفسه وللخلق أعظم من مصلحة الفاسق وعلى هذا القانون
[ ص: 127 ] هذه هي القاعدة العامة في غالب موارد الشريعة مع أنه قد وقع في الشريعة مواضع مستوية في المصلحة وأحدها أكثر ثوابا كقراءة الفاتحة داخل الصلاة أكثر ثوابا من قراءتها خارج الصلاة لوجوبها داخل الصلاة وشاة الزكاة الواجبة أعظم ثوابا من شاة صدقة التطوع مع مساواتها لنفسها ودينار الزكاة أكثر ثوابا من دينار صدقة التطوع .
وهو في الشريعة قليل ولله تعالى أن يفضل أحد المتساويين على الآخر بإرادته مع أنه يجوز أن يكون في أحد هذين المتساويين مصلحة لم يطلع عليها أحد بسبب قصد الوجوب فيه أو وقوعه في حيز الواجب إذا ظهر أن كثرة الثواب تدل على كثرة المصلحة غالبا أو مطلقا فأذكر من المندوبات التي فضلها الشرع على الواجبات سبع صور : الصورة الأولى إنظار المعسر بالدين واجب وإبراؤه منه مندوب إليه وهو أعظم أجرا من الإنظار لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وأن تصدقوا خير لكم } فجعله أفضل من الإنظار وسبب ذلك أن
[ ص: 128 ] مصلحته أعظم لاشتماله على الواجب الذي هو الإنظار فمن أبرئ مما عليه فقد حصل له الإنظار وهو عدم المطالبة في الحال .
الصورة الثانية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87275صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة } أي بسبع وعشرين مثوبة مثل مثوبة صلاة المنفرد كذلك خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه وهذه السبع والعشرون مثوبة هي مضافة لوصف صلاة الجماعة خاصة ألا ترى أن من
nindex.php?page=treesubj&link=1648_20547صلى وحده ثم صلى في جماعة حصلت له مع أن الإعادة في جماعة غير واجبة عليه فصار وصف الجماعة المندوب أكثر ثوابا من ثواب الصلاة الواجبة وهو مندوب فضل واجبا فدل ذلك على أن مصلحته عند الله تعالى أكثر من مصلحة الواجب . الصورة الثالثة للصلاة في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة في غيره بألف مثوبة مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الذي هو الصلاة في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الذي هو أصل الصلاة وذلك يدل على أن الصلاة في هذا المكان أعظم مصلحة عند الله تعالى وإن كنا لا نعلم ذلك . الصورة الرابعة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87276الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره } كما خرجه الثقات
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وغيره مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة من حيث هي صلاة . الصورة الخامسة الصلاة في
بيت المقدس بخمسمائة صلاة مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل
[ ص: 129 ] الصلاة .
الصورة السادسة روي أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20810صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك } مع أن وصف السواك مندوب إليه ليس بواجب فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة ويؤكد ذلك قوله عليه السلام في الحديث الآخر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46444لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } قال بعض العلماء هذا يدل على أن مصلحته تصلح للإيجاب ولكن ترك الإيجاب رفقا بالعباد . الصورة السابعة
nindex.php?page=treesubj&link=20547_1637_25353الخشوع في الصلاة مندوب إليه لا يأثم تاركه فهو غير واجب مع أنه قد ورد في الصحيح قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87277إذا نودي للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34101وما فاتكم فاقضوا } قال بعض العلماء إنما أمر بعدم
nindex.php?page=treesubj&link=978_1637_20547الإفراط في السعي لأنه إذا قدم على الصلاة عقيب شدة السعي يكون عنده انبهار وقلق يمنعه من الخشوع
[ ص: 130 ] اللائق بالصلاة فأمره عليه السلام بالسكينة والوقار واجتناب ما يؤدي إلى فوات الخشوع وإن فاتته الجمعة والجماعات وذلك يدل على أن مصلحة الخشوع أعظم من مصلحة وصف الجمعة والجماعات مع أن الجمعة واجبة فقد فضل المندوب الواجب في هذه الصورة فهي على خلاف القاعدة العامة التي تقدم تقريرها التي شهد لها الحديث في قوله تعالى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87278ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } الحديث .
إذا تقرر هذا وظهر أن بعض المندوبات قد تفضل الواجبات في المصلحة فنقول إنا حيث قلنا إن الواجب يقدم على المندوب والمندوب لا يقدم على الواجب حيث كانت مصلحة الواجب أعظم من مصلحة المندوب أما إذا كانت مصلحة المندوب أعظم ثوابا فإنا نقدم المندوب على الواجب كما تقدم في الخشوع وغيره فإذا وجدنا الشرع قدم مندوبا على واجب فإن علمنا أن مصلحة ذلك المندوب أكثر فلا كلام حينئذ وإن لم نعلمها استدللنا بالأثر على المؤثر وقلنا ما قدم صاحب الشرع هذا المندوب على هذا الواجب إلا لمصلحة ومصلحته أعظم من مصلحة الواجب لأنا استقرينا الشرائع
[ ص: 131 ] فوجدناها مصالح على وجه التفضل من الله تعالى ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إذا سمعتم قراءة كتاب الله تعالى فاستمعوا فإنه إنما يأمركم بخير وينهاكم عن شر فحيث لم نعلم ذلك قلنا هو كذلك طرد القاعدة الشرع في رعاية المصالح ولما وردت السنة الصحيحة بالجمع بين الصلاتين وقدم فيه المندوب الذي هو وصف الجماعة على الواجب الذي هو الوقت قلنا هذا المندوب أعظم مصلحة من ذلك الواجب أو مساو للواجب فخير الشرع بينهما وجعل له اختيار أحدهما فاندفع السؤال حينئذ .
[ ص: 122 ] ( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=20535_20547الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ وَالْغَالِبَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87274مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا } الْحَدِيثُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَمَتَى
nindex.php?page=treesubj&link=20547_20535تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَرَدَ سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلظَّلَامِ وَالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَهَذَا الْجَمْعُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يَلْحَقُهُمْ ضَرَرٌ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بُيُوتِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لَهُمْ أَقِيمُوا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حَتَّى تُصَلُّوهَا وَهَذَا الضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَخْرُجُوا الْآنَ وَيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ أَفْذَاذًا وَإِمَّا بِأَنْ يُصَلُّوا الْآنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حُفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ
[ ص: 123 ]
وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ أَمَّا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=20547أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ
[ ص: 124 ]
وَقَدْ خُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَنْدُوبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ
بِعَرَفَةَ تُرِكَ فِيهِ وَاجِبَانِ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَتُقَدَّمُ وَتُصَلَّى مَعَ الظُّهْرِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَثَانِيهِمَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ إذَا جَاءَتْ يَوْمَ
عَرَفَةَ وَيُصَلَّى الظُّهْرُ أَرْبَعًا فَتُرِكَ الْوَاجِبُ أَيْضًا لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِذَلِكَ لَمَّا حَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونُ الرَّشِيدُ وَمَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ وَاجْتَمَعَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867بِمَالِكٍ فِي
الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ يَوْمَ
عَرَفَةَ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ وَوَاجِبَةٌ قَبْلَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ إنَّ ذَلِكَ خِلَافَ السُّنَّةِ فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ وَأَنَّهُ
[ ص: 125 ] خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا خُطْبَةٌ وَهَذِهِ هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ جَهَرَ فِيهِمَا أَوْ أَسَرَّ فَسَكَتَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ فَظَهَرَتْ الْحُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ بِسَبَبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ جَهْرِيَّةٌ فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَكْعَتَيْنِ سِرًّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْخُطْبَةَ لِيَوْمِ
عَرَفَةَ لَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ
عَرَفَةَ إنَّمَا خُطْبَتُهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كَانَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ
بِعَرَفَةَ أَيْسَرُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ .
أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ
عَرَفَةَ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ السَّفَرُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ الظُّهْرُ دُونَ الْجُمُعَةِ فَجُعِلَ النَّادِرُ تَبَعًا لِلْغَالِبِ فَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ
بِعَرَفَةَ أَوْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ مِنْ
عَرَفَةَ فَتَرْكُ الْجُمُعَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ تَرْكَ الْوَاجِبِ .
وَأَمَّا تَرْكُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَلِضَرُورَةِ الْحُجَّاجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّقَرُّبِ اللَّائِقِ
بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً بَعْدَ ضَنْكِ الْأَسْفَارِ وَقَطْعِ الْبَرَارِيِ وَالْقِفَارِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَوْطَانِ النَّائِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا عَلَى مَصْلَحَةِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَكُونُ هَذَا ضَرَرًا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ كَمَا يُوجِبُ فَوَاتُ الزَّمَانِ التَّقْدِيمَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بَلْ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ رُفْقَةٌ مُوَافِقِينَ عَلَى النُّزُولِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ ضَرَرٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَمَّا مَصَالِحُ الْحَجِّ فَأَمْرٌ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَلَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا جَوَابٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَمْعِ
عَرَفَةَ دُونَ جَمْعِ لَيْلَةِ الْمَطَرِ .
وَأَمَّا جَمْعُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ جَمْعِ الْمَطَرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ ضَاعَ الْوَاجِبُ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ الصَّلَاةُ الْأَخِيرَةُ بِغَيْبَةِ الْعَقْلِ وَضَرُورَةِ الْمَرَضِ أَوْ دَخَلَ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ الرِّفَاقِ وَالْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَوْ تُرِكَ إنَّمَا يَفُوتُ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الْجَمَاعَةُ .
وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَتُصَلَّى عَلَى أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُيُوتِ عِنْدَ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ فَهَذَا جَمْعٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا السُّؤَالِ الْقَوِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إذَا حَصَلَ يُقَوِّي الْجَوَابَ يَوْمَ
عَرَفَةَ فَنَشْرَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُشْكِلَةِ فَنَقُولُ إنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ
nindex.php?page=treesubj&link=20547تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ
[ ص: 126 ] فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيَهُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ حَتَّى يَكُونَ أَدْنَى الْمَصَالِحِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَصْلَحَةُ وَالنَّدْبُ وَتَعْظُمُ رُتْبَتُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَنْدُوبَاتِ تَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَفَاسِدُ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعِظَمِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ يَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَالِي الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْفَاسِقِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ
[ ص: 127 ] هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصْلَحَةِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ قِرَاءَتِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَشَاةُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ شَاةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَدِينَارُ الزَّكَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ دِينَارِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ .
وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ قَلِيلٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَأَذْكُرُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعُ صُوَرٍ : الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْإِنْظَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ } فَجَعَلَهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِنْظَارِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
[ ص: 128 ] مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَمَنْ أُبْرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْظَارُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87275صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً } أَيْ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَثُوبَةً مِثْلَ مَثُوبَةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ مَثُوبَةً هِيَ مُضَافَةٌ لِوَصْفِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1648_20547صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ حَصَلَتْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ الْمَنْدُوبُ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَضَلَ وَاجِبًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ . الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لِلصَّلَاةِ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ بِأَلْفِ مَثُوبَةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ . الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87276الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ } كَمَا خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ . الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي
بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ
[ ص: 129 ] الصَّلَاةِ .
الصُّورَةُ السَّادِسَةُ رُوِيَ أَنَّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20810صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ } مَعَ أَنَّ وَصْفَ السِّوَاكِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46444لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَلَكِنَّ تُرِكَ الْإِيجَابُ رِفْقًا بِالْعِبَادِ . الصُّورَةُ السَّابِعَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=20547_1637_25353الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87277إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } وَرُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34101وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَمَرَ بِعَدَمِ
nindex.php?page=treesubj&link=978_1637_20547الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا قَدُمَ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ شِدَّةِ السَّعْيِ يَكُونُ عِنْدَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ
[ ص: 130 ] اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْخُشُوعِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ وَصْفِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا الَّتِي شَهِدَ لَهَا الْحَدِيثُ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87278مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ } الْحَدِيثَ .
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ فَنَقُولُ إنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَنْدُوبَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْوَاجِبِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَنْدُوبِ أَعْظَمَ ثَوَابًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُشُوعِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَجَدْنَا الشَّرْعَ قَدَّمَ مَنْدُوبًا عَلَى وَاجِبٍ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ أَكْثَرُ فَلَا كَلَامَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَقُلْنَا مَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الْمَنْدُوبَ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا الشَّرَائِعَ
[ ص: 131 ] فَوَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا سَمِعْتُمْ قِرَاءَةَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِخَيْرٍ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ شَرٍّ فَحَيْثُ لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ طَرَدَ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعُ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَلَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقُدِّمَ فِيهِ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قُلْنَا هَذَا الْمَنْدُوبُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ مُسَاوٍ لِلْوَاجِبِ فَخَيَّرَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ لَهُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ حِينَئِذٍ .