( الفرق الثالث والتسعون بين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=27990_27988النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح وكلاهما غير عالم بما أقدم عليه )
اعلم أن هذا الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة وهي أن
الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في رسالته حكاه أيضا في أن
nindex.php?page=treesubj&link=27988المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه ، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع ، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض ، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم أطاع الله تعالى طاعتين ، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين ، ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية .
ويدل على هذه القاعدة أيضا من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن
نوح عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم } ومعناه ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى في ذلك السؤال ، وأنه جائز وذلك سبب كونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد ، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لا بد من تقديم العلم بما
[ ص: 149 ] يريد الإنسان أن يشرع فيه إذا تقرر هذا فمثله أيضا قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم } نهى الله تعالى نبيه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم فيكون طلب العلم واجبا في كل حالة ، ومنه قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81746طلب العلم فريضة على كل مسلم } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله
nindex.php?page=treesubj&link=18466_27988طلب العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها .
وفرض الكفاية ما عدا ذلك فإذا كان العلم بما يقدم الإنسان عليه واجبا كان الجاهل في الصلاة عاصيا بترك العلم فهو كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه فهذا هو وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله : إن الجهل في الصلاة كالعمد ، والجاهل كالمتعمد لا كالناسي .
وأما الناسي فمعفو عنه لقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة فهذا فرق ، وفرق ثان وهو أن النسيان يهجم على العبد قهرا لا حيلة له في دفعه عنه ، والجهل له حيلة في دفعه بالتعلم وبهذين الفرقين ظهر الفرق بين قاعدة النسيان وقاعدة الجهل
( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=27990_27988النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ
الْغَزَالِيَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيَّ فِي رِسَالَتِهِ حَكَاهُ أَيْضًا فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27988الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ فِي الْبَيْعِ ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَةِ وَمَنْ قَارَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِرَاضِ ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ وَجَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَمَنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمَ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ ، وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَةً وَعَصَاهُ مَعْصِيَةً .
وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَسْأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } وَمَعْنَاهُ مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ السُّؤَالِ ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ سَبَبُ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عُوتِبَ عَلَى سُؤَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِابْنِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لِكَوْنِهِ سَأَلَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْوَلَدِ ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي طَلَبُهُ أَمْ لَا فَالْعَتْبُ وَالْجَوَابُ كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِلْمِ بِمَا
[ ص: 149 ] يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمِثْلُهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } نَهَى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ فَلَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُعْلَمَ فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ حَالَةٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81746طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=18466_27988طَلَبُ الْعِلْمِ قِسْمَانِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ فَفَرْضُ الْعَيْنِ عِلْمُك بِحَالَتِك الَّتِي أَنْتَ فِيهَا .
وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مَا عَدَا ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِمَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ وَاجِبًا كَانَ الْجَاهِلُ فِي الصَّلَاةِ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْعِلْمِ فَهُوَ كَالْمُتَعَمِّدِ التَّرْكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ الْجَهْلَ فِي الصَّلَاةِ كَالْعَمْدِ ، وَالْجَاهِلُ كَالْمُتَعَمِّدِ لَا كَالنَّاسِي .
وَأَمَّا النَّاسِي فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهَذَا فَرْقٌ ، وَفَرْقٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ يَهْجُمُ عَلَى الْعَبْدِ قَهْرًا لَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ ، وَالْجَهْلُ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ بِالتَّعَلُّمِ وَبِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ