( الفرق الثاني والسبعون والمائة بين قاعدة ما يصل إلى الميت وقاعدة ما لا يصل إليه )
فلو أراد أحد أن يهب قريبه الكافر إيمانه ليدخل الجنة دونه لم يكن له ذلك ، بل إن كفر الحي هلكا معا أما هبة الثواب مع بقاء الأصل فلا سبيل إليه ، وقيل الإجماع في الصلاة أيضا ، وقيل الإجماع فيها القربات ثلاثة أقسام قسم حجر الله تعالى على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان والعتق وقسم اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو القربات المالية كالصدقة عند وقسم اختلف فيه هل فيه حجر أم لا وهو الصيام والحج وقراءة القرآن فلا يحصل شيء من ذلك للميت مالك رضي الله عنهما . والشافعي
وقال أبو حنيفة ثواب القراءة للميت وأحمد بن حنبل فمالك رضي الله عنهما يحتجان بالقياس على الصلاة ونحوها مما هو فعل بدني والأصل في الأفعال البدنية أن لا ينوب أحد فيها عن الآخر ولظاهر قوله تعالى { والشافعي وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، ولقوله عليه السلام { آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له } واحتج إذا مات ابن أبو حنيفة بالقياس على الدعاء فإنا أجمعنا على أن وابن حنبل فكذلك القراءة والكل عمل بدني ولظاهر قوله عليه السلام للسائل { الدعاء يصل للميت صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صومك يعني أبويه } والجواب عن الأول أن القياس على الدعاء لا يستقيم فإن الدعاء فيه أمران
( أحدهما ) متعلقه الذي هو مدلوله نحو المغفرة في قولهم اللهم اغفر له [ ص: 193 ] والآخر ثوابه فالأول هو الذي يرجى حصوله للميت ولا يحصل إلا له فإنه لم يدع لنفسه وإنما دعا للميت بالمغفرة
( والثاني ) وهو الثواب على الدعاء فهو الداعي فقط ، وليس للميت من الثواب على الدعاء شيء فالقياس على الدعاء غلط وخروج من باب إلى باب ، وأما الحديث فإما أن نجعله خاصا بذلك الشخص أو نعارضه بما تقدم من الأدلة ونعضدها بأنها على وفق الأصل فإن الأصل عدم الانتقال ومن الفقهاء من يقول حصل للميت أجر المستمع وهو لا يصح أيضا لانعقاد الإجماع على أن الثواب يتبع الأمر والنهي فما لا أمر فيه ولا نهي لا ثواب فيه بدليل المباحات وأرباب الفترات والموتى انقطع عنهم الأوامر والنواهي . إذا قرئ عند القبر
وإذا لم يكونوا مأمورين لا يكون لهم ثواب وإن كانوا مستمعين ألا ترى أن البهائم تسمع أصواتنا بالقراءة ولا ثواب لها لعدم الأمر لها بالاستماع فكذلك الموتى والذي يتجه أن يقال ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القراءة لا ثوابها كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده فإن البركة لا تتوقف على الأمر فإن البهيمة يحصل لها بركة راكبها أو مجاورها وأمر البركات لا ينكر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل بركته للبهائم من الخيل والحمير وغيرهما كما روي أنه ضرب فرسا بسوط فكان لا يسبق بعد ذلك بعد أن كان بطيء الحركة وحماره عليه السلام كان يذهب إلى بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستدعيهم إليه بنطح رأسه الباب وغير ذلك من بركاته عليه السلام [ ص: 194 ] كما هو مروي في معجزاته وكراماته عليه السلام وهذه المسألة وإن كانت مختلفا فيها فينبغي للإنسان أن لا يهملها فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف في حكم شرعي إنما هو في أمر واقع هل هو كذلك أم لا ، وكذلك التهليل الذي عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى وما ييسره ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن ومن الله الجود والإحسان هذا هو اللائق بالعبد .