[ ص: 3 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل }
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم قال
الشيخ الإمام أبو الحسن الماوردي : الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين ، ومن علينا بالكتاب المبين ، وشرع لنا من الأحكام ، وفصل لنا من الحلال والحرام ما جعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق ، وثبتت به قواعد الحق ، ووكل إلى ولاة الأمور ما أحسن فيه التقدير ، وأحكم به التدبير ، فله الحمد على ما قدر ودبر ، وصلواته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره ، وقام بحقه
محمد النبي وعلى آله وصحابته .
ولما كانت الأحكام السلطانية بولاة الأمور أحق ، وكان امتزاجها بجميع الأحكام يقطعهم عن تصفحها مع تشاغلهم بالسياسة والتدبير ، أفردت لها كتابا امتثلت فيه أمر من لزمت طاعته ، ليعلم مذاهب الفقهاء فيما له منها فيستوفيه ، وما عليه منها فيوفيه ; توخيا للعدل في تنفيذه وقضائه ، وتحريا للنصفة في أخذه وعطائه ، وأنا أسأل الله تعالى حسن معونته ، وأرغب إليه في توفيقه وهدايته ، وهو حسبي وكفى .
( أما بعد ) فإن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيما خلف به النبوة ، وحاط به الملة ، وفوض إليه السياسة ، ليصدر التدبير عن دين مشروع ، وتجتمع الكلمة على رأي متبوع فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة ، وانتظمت به مصالح الأمة حتى استثبتت بها الأمور العامة ، وصدرت عنها الولايات
[ ص: 4 ] الخاصة ، فلزم تقديم حكمها على كل حكم سلطاني ، ووجب ذكر ما اختص بنظرها على كل نظر ديني ، لترتيب أحكام الولايات على نسق متناسب الأقسام ، متشاكل الأحكام .
والذي تضمنه هذا الكتاب من الأحكام السلطانية والولايات الدينية عشرون بابا ، فالباب الأول : في عقد الإمامة .
والباب الثاني : في تقليد الوزارة .
والباب الثالث : في تقليد الإمارة على البلاد .
والباب الرابع : في تقليد الإمارة على الجهاد .
والباب الخامس في الولاية على المصالح .
والباب السادس : في ولاية القضاء .
والباب السابع : في ولاية المظالم .
والباب الثامن : في ولاية النقابة على ذوي الأنساب .
والباب التاسع : في الولاية على إمامة الصلوات .
والباب العاشر : في الولاية على الحج .
والباب الحادي عشر : في ولاية الصدقات .
والباب الثاني عشر : في قسم الفيء والغنيمة .
والباب الثالث عشر : في وضع الجزية والخراج .
والباب الرابع عشر : فيما تختلف أحكامه من البلاد .
والباب الخامس عشر : في إحياء الموات واستخراج المياه .
والباب السادس عشر : في الحمى والأرفاق .
والباب السابع عشر : في أحكام الإقطاع .
والباب الثامن عشر : في وضع الديوان وذكر أحكامه .
والباب التاسع عشر : في أحكام الجرائم .
والباب العشرون : في أحكام الحسبة .
[ ص: 3 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْضَحَ لَنَا مَعَالِمَ الدِّينِ ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، وَشَرَعَ لَنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَفَصَّلَ لَنَا مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مَا جَعَلَهُ عَلَى الدُّنْيَا حُكْمًا تَقَرَّرَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْخَلْقِ ، وَثَبَتَتْ بِهِ قَوَاعِدُ الْحَقِّ ، وَوَكَّلَ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا أَحْسَنَ فِيهِ التَّقْدِيرَ ، وَأَحْكَمَ بِهِ التَّدْبِيرَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَدَّرَ وَدَبَّرَ ، وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِهِ الَّذِي صَدَعَ بِأَمْرِهِ ، وَقَامَ بِحَقِّهِ
مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ .
وَلَمَّا كَانَتْ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ بِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَحَقَّ ، وَكَانَ امْتِزَاجُهَا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَصَفُّحِهَا مَعَ تَشَاغُلِهِمْ بِالسِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ ، أَفْرَدْتُ لَهَا كِتَابًا امْتَثَلْتُ فِيهِ أَمْرَ مَنْ لَزِمَتْ طَاعَتُهُ ، لِيَعْلَمَ مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَهُ مِنْهَا فَيَسْتَوْفِيهِ ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْهَا فَيُوَفِّيهِ ; تَوَخِّيًا لِلْعَدْلِ فِي تَنْفِيذِهِ وَقَضَائِهِ ، وَتَحَرِّيًا لِلنَّصَفَةِ فِي أَخْذِهِ وَعَطَائِهِ ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حُسْنَ مَعُونَتِهِ ، وَأَرْغَبُ إلَيْهِ فِي تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ ، وَهُوَ حَسْبِي وَكَفَى .
( أَمَّا بَعْدُ ) فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ نَدَبَ لِلْأُمَّةِ زَعِيمًا خَلَفَ بِهِ النُّبُوَّةَ ، وَحَاطَ بِهِ الْمِلَّةَ ، وَفَوَّضَ إلَيْهِ السِّيَاسَةَ ، لِيَصْدُرَ التَّدْبِيرُ عَنْ دِينٍ مَشْرُوعٍ ، وَتَجْتَمِعَ الْكَلِمَةُ عَلَى رَأْيٍ مَتْبُوعٍ فَكَانَتْ الْإِمَامَةُ أَصْلًا عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْمِلَّةِ ، وَانْتَظَمَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْأُمَّةِ حَتَّى اسْتَثْبَتَتْ بِهَا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ ، وَصَدَرَتْ عَنْهَا الْوِلَايَاتُ
[ ص: 4 ] الْخَاصَّةُ ، فَلَزِمَ تَقْدِيمُ حُكْمِهَا عَلَى كُلِّ حُكْمٍ سُلْطَانِيٍّ ، وَوَجَبَ ذِكْرُ مَا اخْتَصَّ بِنَظَرِهَا عَلَى كُلِّ نَظَرٍ دِينِيٍّ ، لِتَرْتِيبِ أَحْكَامِ الْوِلَايَاتِ عَلَى نَسَقٍ مُتَنَاسِبِ الْأَقْسَامِ ، مُتَشَاكِلِ الْأَحْكَامِ .
وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْوِلَايَاتِ الدِّينِيَّةِ عِشْرُونَ بَابًا ، فَالْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .
وَالْبَابُ الثَّانِي : فِي تَقْلِيدِ الْوَزَارَةِ .
وَالْبَابُ الثَّالِثُ : فِي تَقْلِيدِ الْإِمَارَةِ عَلَى الْبِلَادِ .
وَالْبَابُ الرَّابِعُ : فِي تَقْلِيدِ الْإِمَارَةِ عَلَى الْجِهَادِ .
وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ .
وَالْبَابُ السَّادِسُ : فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ .
وَالْبَابُ السَّابِعُ : فِي وِلَايَةِ الْمَظَالِمِ .
وَالْبَابُ الثَّامِنُ : فِي وِلَايَةِ النِّقَابَةِ عَلَى ذَوِي الْأَنْسَابِ .
وَالْبَابُ التَّاسِعُ : فِي الْوِلَايَةِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَوَاتِ .
وَالْبَابُ الْعَاشِرُ : فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ .
وَالْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ : فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَاتِ .
وَالْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .
وَالْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ : فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ .
وَالْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ : فِيمَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ مِنْ الْبِلَادِ .
وَالْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ : فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمِيَاهِ .
وَالْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ : فِي الْحِمَى وَالْأَرْفَاقِ .
وَالْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْإِقْطَاعِ .
وَالْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ : فِي وَضْعِ الدِّيوَانِ وَذِكْرِ أَحْكَامِهِ .
وَالْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ .
وَالْبَابُ الْعِشْرُونَ : فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ .