( فصل ) وأما فمثل أن ما ينكر من حقوق الآدميين المحصنة فلا اعتراض للمحتسب فيه ما لم يستعده الجار ; لأنه يخصه فينصح منه العفو عنه والمطالبة به ، فإن خاصمه فيه كان للمحتسب النظر فيه إن لم يكن بينهما تنازع وتناكل وأخذ المتعدي بإزالة تعدية وكان له تأديبه عليه بحسب شواهد الحال . يتعدى رجل في حد لجاره أو في حريم لداره أو في وضع أجذاع على جداره
فإن تنازعا كان الحاكم بالنظر فيه أحق ، ولو أن الجار كان له ذلك وأخذ المتعدي بعد العفو عنه بهدم ما بناه ; ولو كان قد ابتدأ البناء ووضع الأجذاع بإذن الجار ثم رجع الجار في إذنه لم يؤخذ الثاني بهدمه . أقر جاره على تعديه وعفا عن مطالبته بهدم ما تعدى فيه ثم عاد مطالبا بعد ذلك
ولو كان للجار أن يستعدي المحتسب حته يعديه على صاحب الشجرة ليأخذه بإزالة ما انتشر من أغصانها في داره ولا تأديب عليه ، [ ص: 318 ] لأن انتشارها ليس من فعله ، ولو انتشرت أغصان الشجرة إلى دار جاره لم يؤخذ بقلعها ولم يمنع الجار من التصرف في قرار أرضه وإن قطعها نصب الملك تنورا في داره فتأذى الجار بدخانه لم يعترض عليه ولم يمنع منه ، وكذلك لو انتشرت عروق الشجرة تحت الأرض حتى دخلت في قرار أرض الجار لم يمنع ; لأن للناس التصرف في أملاكهم بما أحبوا وما يجد الناس من مثل هذا بدا وإذا نصب في داره رحى أو وضع فيها حدادين أو قصابين أو استزادة عمل كفه عن تعديه ، وكان الإنكار عليه معتبرا بشواهد حاله ، ولو تعدى مستأجر على أجير في نقصان أجرة منعه منه وأنكره عليه إذا تخاصما إليه ، فإن اختلفا وتناكرا كان الحاكم بالنظر بينهما أحق قصر الأجير في حق المستأجر فنقصه من العمل أو استزاده في الأجرة