الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الخامس

        الوصيتان بأمرين متحدي الجنس، والصفة مختلفي القدر من غير تعيين الموصى به بعينه

        مثل: أن يوصي له في إحدى الوصيتين بدار من دوره، وفي الثانية بدارين من دوره، فقد اختلف الفقهاء:

        القول الأول: يستحق الوصيتين جميعا، وهو رواية عن الإمام مالك، وهو قول الحنابلة .

        وحجته: أنه لا تناقض بين الوصيتين، واللفظ يقتضيهما.

        القول الثاني: أنه يعطى أكثر الوصيتين تقدمت أو تأخرت، ولا يجمع له بينهما.

        وهو قول الحنفية ، ورواية عن مالك، وهي مذهب المالكية .

        جاء في تهذيب المدونة: « ومن أوصى بوصية بعد أخرى، فإن لم تتناقضا [ ص: 315 ] أنفذتا جميعا، وإن كانتا من صنف واحد فزادت إحداهما، أنفذت الزائدة فقط، وإذا تناقضتا أخذ بالآخرة وبطلت الأولى، كمن أوصى لرجل بشيء بعينه من صنف، ذكر منه كيلا، أو وزنا، أو عددا من طعام، أو عرض، أو عين، أو غيره، أو بعدد بغير عينه من رقيق عنده، أو غنم، ثم أوصى له من ذلك الصنف بأكثر من تلك التسمية أو أقل، فله أكثر الوصيتين كانت الأولى أو الآخرة، وإن كان أوصى له آخرا بصنف آخر، فله الوصيتان جميعا.

        وحجته:

        1 - أنه إن تأخر القليل فهو تأكيد لبعض ما تضمنه الأكثر، وإن تأخر الأكثر فالزيادة على الأولى تأسيس.

        2 - أن ذكر الخاص بحكم العام لا يخصصه، فإذا أوصى له بمئة ثم أوصى بخمسين، فالخمسون الموصى بها بمنزلة ذكر الخاص بعد العام، فلا يخصصه ويبقى العام على عمومه.

        3 - أنه إذا كانت الأخيرة هي الأقل فهو لم يصرح بالرجوع عن الأكثر ولا بزيادة الأقل على الأكثر، فيعطى الأكثر لاندراج الأقل فيه ، وإن كانت الأخيرة هي الأكثر فالعادة الزيادة وبطلت الأولى، فالأكثر متيقنة فيعطى إياها.

        القول الثالث: أنه إذا تقدم الأكثر فله الوصيتان معا، وإذا تقدم الأقل فله الأكثر فقط.

        وهو قول للمالكية.

        [ ص: 316 ] وحجته:

        1 - أن الأقل إذا تأخر لا يصلح لنسخ الأكثر ولا لتخصيصه; لعدم معارضته ، فيعطى الوصيتين بخلاف الأكثر المتأخر، فإنه شبيه بالعام المتأخر عن الخاص.

        2 - قال الباجي: « إنه إذا بدأ بالأقل، ثم أوصى له بأكثر منها كان الظاهر أنه أراد الزيادة في وصيته وقد أعمل الوصيتين، وإذا بدأ بالأكثر ثم أوصى بأقل من ذلك فالظاهر جمعه; لأنه بمعنى الزيادة، وفيه إعمال الوصيتين، ولو أعطاه أولاهما; لأنها أكثر، لكنا قد ألغينا الأخيرة وهي أحق بالإثبات، والله أعلم وأحكم » .

        القول الرابع: إن كانت الوصيتان مكتوبتين في كتابين، فله الأكثر منهما ، وإلا فله الوصيتان معا ولو تأخر الأكثر.

        وهو قول للمالكية.

        وعند بعضهم: إن كانتا في كتاب واحد فله الوصيتان معا، وإن تقدم الأقل فله الأكثر فقط.

        ولعل حجته: أنهما إذا كانتا في كتابين نسي إحداهما، وإن كانتا في كتاب واحد فهو ذاكر لهما.

        القول الخامس: في العروض يعطى الوصيتين معا تفاضل ذلك، أو تساوى كانت الوصيتان في كتاب أو كتابين، وفي الموزون والمكيل يعطى أكثر الوصيتين عندهما.

        وبه قال مطرف، وابن الماجشون.

        [ ص: 317 ] ولعل حجته: عدم التداخل في العروض، وتداخله في المقدرات.

        القول السادس: أنه يستحق المتأخر من الوصيتين.

        وهو قول للشافعية.

        وحجته: أن المتأخر من الوصيتين هو المتيقن فيؤخذ به.

        والأقرب: القول الأول; لقوة ما عللوا به، ولأن الأصل إعمال الوصيتين، ولأن كونهما مختلفتين قدرا يدل على أن الموصي أراد أن يجمع الوصيتين للموصى له; إذ لو أراد الاقتصار على إحداهما لنص على إبطال الأخرى.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية