الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        [ ص: 401 ] المطلب التاسع

        شهادة أهل الكتاب بالوصية في السفر

        تحرير محل النزاع:

        أولا: جمهور الفقهاء - رحمهم الله - أن شهادة الكافر من غير أهل الكتاب على المسلم لا تصح مطلقا.

        ثانيا: جمهور الفقهاء كذلك على أن شهادة أهل الكتاب على المسلمين لا تصح في غير الوصية في السفر.

        ثالثا: اختلف الفقهاء في شهادة أهل الكتاب بالوصية في السفر على قولين:

        القول الأول: جواز شهادة الكفار من أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم.

        وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة ، نقله الجماعة عن الإمام أحمد.

        وقال بهذا شريح، والنخعي، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة.

        ويستحلف الشاهدان بعد العصر أنهما ما خانا، ولا بدلا ، ولا كتما، ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين .

        [ ص: 402 ] قال شيخ الإسلام: « وتقبل شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيره، وهو مذهب أحمد، ولا تعتبر عدالتهم، وإن شاء لم يحلفهم بسبب حق الله ، ولو حكم حاكم بخلاف آية الوصية ينقض حكمه; فإنه إنما خالف نص الكتاب بتأويلات سمجة.

        وقول أحمد: أقبل شهادة أهل الذمة إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم هذه ضرورة يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة، حضرا، وسفرا، وصية وغيرها، وهو متجه.

        كما تقبل شهادة النساء في الحدود إذا اجتمعن في العرس، أو الحمام، ونص عليه أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه.

        ونقل ابن صدقة في الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق بعض عبيده ولا يحضره إلا النساء، هل تجوز شهادتهن ؟ قال: نعم، تجوز شهادتهن في الحقوق.

        وعن أحمد في شهادة الكفار في كل موضع ضرورة غير المنصوص عليه روايتان، لكن التحليف هنا لم يتعرضوا له فيمكن أن يقال: لا تحليف; لأنهم إنما يحلفون حيث تكون شهادتهم بدلا في التحمل، بخلاف ما إذا كانوا أصولا قد علموا من غير تحمل.

        وقال أبو العباس في موضع آخر: ولو قيل: تقبل شهادتهم مع أيمانهم، في كل شيء عدم فيه المسلمون لكان وجها، وتكون شهادتهم بدلا مطلقا.

        وإذا قبلنا شهادة الكفارة في الوصية في السفر; فلا يعتبر كونهم من أهل الكتاب وهو ظاهر القرآن » .

        القول الثاني: عدم جواز شهادة الكافر على المسلم مطلقا.

        [ ص: 403 ] وهذا قول الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، ورواية عند الحنابلة .

        سبب الخلاف في هذه المسألة:

        سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة هو اختلافهم في تأويل الآية الواردة في هذا الخصوص، وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت .

        فمنهم من قال: معنى الشهادة هنا هي الشهادة في الوصية في السفر، ومنهم من قال: معنى الشهادة الحضور، أي: حضور الوصي على الورثة من قولك: شهدته إذا حضرته، وقيل: الشهادة في الآية اليمين; أي: أيمان الوصية بالله إذا ارتاب الورثة بهما، كذلك اختلفوا في معنى (من غيركم ) في الآية، فقيل: من غير ملتكم، وقيل: من غير قبيلتكم، وكذلك اختلفوا في الآية هل ثابتة أو منسوخة... واختلاف الحكم مبني على الاختلاف على هذه الأمور السابقة في الآية.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية