الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        [ ص: 525 ] المبحث العشرون

        المبطل العشرون: رد الوصية

        وتحته مطالب:

        المطلب الأول: وقت الرد

        وتحتها أقسام:

        القسم الأول: أن يكون الرد قبل موت الموصي:

        إذا أوصى شخص لآخر فلا اعتبار لقبوله ولا رده إلا بعد موت الموصي باتفاق المذاهب الأربعة، وعلى هذا لو قبل في حياة الموصي لم يعتبر قبوله، وكذا لو ردها.

        قال الكاساني: « وقت القبول ما بعد موت الموصي، ولا حكم للقبول والرد قبل موته حتى لو رد قبل الموت، ثم قبل بعده صح قبوله » .

        وقال ابن رشد: « وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي » .

        وقال الشافعي: « ولا يكون قبول ولا رد في وصية حياة الموصي، فلو [ ص: 526 ] قبل الموصى له قبل موت الموصي كان له الرد إذا مات، ولو رد في حياة الموصي كان له أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك; لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصي » .

        قال المقدسي: « الثاني أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح، والوصية لا يعتبر قبولها وردها إلا بعد موت الموصي » .

        ودليل ذلك:

        1 - أن الوصية إيجاب الملك بعد الموت، والقبول أو الرد يعتبر، كذا الإيجاب; لأنه جواب، والجواب لا يكون إلا بعد تقدم السؤال.

        ونظيره: إذا قال لامرأته: إذا جاء غد فأنت طالق على ألف درهم، أنه إنما يعتبر القبول أو الرد إذا جاء غد كذا هذا، فإذا كان التصرف يقع إيجابا بعد الموت يعتبر القبول بعده.

        2 - لأن الوصية لم تقع بعد، فأشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع، ولأنه ليس بمحل للقبول، فلا يكون محلا للرد.

        وعن زفر: لا تبطل بردها بعد الموت، كالإرث، بناء على أن القبول ليس ركنا ولا شرطا ; كما أن القبول بعد ردها بعد الموت لا أثر له.

        وقال بعض المالكية : تبطل بردها قبل الموت.

        ومنشأ الخلاف: اختلافهم في إسقاط الشيء قبل وجوبه، كإسقاط الشفعة قبل البيع، فمن رآه لازما قال تبطل الوصية بردها قبل الموت، ومن [ ص: 527 ] رآه غير لازم قال: لا تبطل بردها قبل الموت; لأنه إسقاط للشيء قبل وجوبه، وفي الحالتين معا إذا بطلت تعود لورثة الموصي.

        القسم الثاني: أن يردها بعد الموت، وقبل القبول، فيصح الرد، وتبطل الوصية:

        قال ابن قدامة: « لا نعلم فيه خلافا » ; لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه، فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع.

        القسم الثالث: أن يرد بعد القبول والقبض، فلا يصح الرد:

        قال السرخسي: « والقبض ليس بشرط لوقوع الملك في الوصية » ; لأن ملكه قد استقر عليه ، فأشبه رده لسائر ملكه، إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية