[ ص: 416 ] المبحث الثالث: الشفعة للوقف، وعليه
تعريف الشفعة:
من الشفع، وهو الضم والزيادة. الشفعة في اللغة:
قال ابن فارس: «الشين والفاء والعين: أصل صحيح يدل على مقارنة الشيئين» .
وقال «سميت شفعة; لأنه يشفع بها ماله» . ابن دريد:
عرف بتعاريف كثيرة، منها: وفي الاصطلاح:
أنها استحقاق الشريك في ملك الرقبة انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه بعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد.
وفيه مطالب:
المطلب الأول الشفعة للوقف في شركة الوقف
صورة المسألة: أن تكون هناك أرض مثلا مشاعة بعضها وقف، والآخر [ ص: 417 ] طلق، فإذا بيع الطلق، فهل لناظر الوقف أن يشفع على المشتري بحيث يكون الجميع للوقف.
اختلف العلماء في ثبوت الشفعة للوقف في شركة الوقف على قولين:
القول الأول: ثبوت الشفعة للوقف في شقص شركة الوقف.
وإلى هذا القول ذهب المالكية والشافعية.
القول الثاني: أنه لا شفعة للوقف في شقص شركة الوقف.
وهذا هو قول الحنفية، وإليه أشار بعض الحنابلة.
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
(246) 1 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن معمر، عن الزهري، أبي سلمة، عن رضي الله عنه قال: جابر بن عبد الله . «قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»
[ ص: 418 ] (247) 2 - ما رواه من طريق الترمذي أبي حمزة السكري، عن عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس . «الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء»
فهذه الأحاديث تفيد بعمومها ثبوت الشفعة في كل شيء، فتدخل الشفعة في شركة الوقف في عموم تلك الأحاديث.
3 - أن هو رفع الضرر الناشئ عن الشركة، وهذا الضرر كما يندفع عن الطلق بالشفعة كذلك يندفع عن الوقف بالشفعة، فتثبت الشفعة للوقف دفعة لما قد يلحقه من ضرر. الحكمة من مشروعية الشفعة
دليل القول الثاني: أن الوقف لا مالك له، أو أن الملك فيه غير تام، والشفعة إنما تستحق للمالك ملكا تاما.
ونوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه مجرد دعوى لا دليل عليها، والذي جاءت به [ ص: 419 ] الأدلة إنما هو رفع الضرر مطلقا، وقطع النزاع الحاصل بسبب الشركة، وهذا يشمل الوقف.
الوجه الثاني: أنه لا يسلم أن الوقف لا مالك له، بل منفعته وثمرته ملك للموقوف عليه، والضرر كما يكون على العين يكون على المنفعة.
الوجه الثالث: أنه اجتهاد مع النص.
الترجيح:
يترجح لي - والله أعلم - القول الأول; وذلك لدلالة النص عليه ولموافقته مقصد الشارع من رفع الضرر الناشئ عن الشركة، ولا شك أن مصلحة الوقف تقتضي إثبات الشفعة له، ففي إثباتها قطع لما قد يحصل من نزاع بين صاحب الشقص الآخر، وبين الموقوف عليه أو الناظر، والله أعلم.
***