المطلب الثاني: الشفعة في وقف الشريك نصيبه
صورة هذه المسألة: زيد وعمرو شريكان في أرض، فوقف زيد نصيبه من هذه الأرض، فهل للشريك أن يشفع؟
للعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه لا شفعة للشريك.
وهو قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
[ ص: 420 ] القول الثاني: ثبوت الشفعة بكل ملك انتقل بعوض أو بغير عوض ما عدا الميراث.
وهذا القول رواية ضعيفة عن أفتى بها بعض المالكية، وكذا حكي عن مالك ابن أبي ليلى.
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - ما رواه من طريق مسلم أنه سمع أبي الزبير رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جابر بن عبد الله . «الشفعة في كل شيء في أرض، أو ربع، أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه»
وجه الدلالة: أن هذه الأدلة دلت على أن ثبوت الشفعة إنما كان في البيع، ويلحق به ما كان في معناه، والوقف ليس بمعنى البيع; إذ هو من عقود التبرعات.
2 - أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بمثل السبب الذي انتقل إليه به.
3 - أن الشفيع في عقود المعاوضات يأخذ الشقص بثمنه لا بقيمته، وفي غيرها يأخذ بقيمته، فافترقا. [ ص: 421 ] 4 - أنه ملكها بغير بدل، أشبه ما لو ورثها.
دليل القول الثاني: (ثبوت الشفعة) :
أن الشفعة إنما ثبتت لإزالة ضرر الشركة، وهذا الضرر موجود في الشركة كيفما كان، فينبغي أن تثبت الشفعة في هذه الحالة دفعة للضرر.
ونوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن الشفعة إنما شرعت لإزالة الضرر عن الشريك، ولكن في الوقف زالت العين عن الواقف بغير بدل، ففي إثبات الشفعة ضرر على الموقوف عليه، والضرر لا يزال بالضرر; لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: . «لا ضرر ولا ضرار»
الوجه الثاني: أنه يلزم على قولهم أن تثبت الشفعة في الميراث، وهم لا يقولون به.
الوجه الثالث: أن الأخذ بالشفعة يوجب على الشفيع للمأخوذ منه مثل ما دفع فيه، فإذا انعدم معنى المعاوضة، فلو أخذ الشفيع، فإما أن يأخذ بالقيمة، وإما أن يأخذ مجانا بلا عوض، ولا سبيل إلى الأول; لأن المأخوذ منه لم يملكه بالقيمة، ولا سبيل إلى الثاني; لأن الإكراه على التبرع ليس بمشروع، فامتنع الأخذ أصلا.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - عدم ثبوت الشفعة للشريك; لقوة دليله، ولأن الأصل ثبوت الوقف وعدم انتقاله.
***