الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المسألة الرابعة: الوقف على بعض الورثة دون بعض:

        صورة ذلك : أن يوقف بيته على ابنه دون ابنته .

        القول الأول: أنه يجوز إذا كان بقدر الثلث بشرط إجازة بقية الورثة، ويكون وقفا عليهم مع الإجازة .

        وبه قال الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها أبو حفص العكبري وابن قدامة.

        وذهب الحنفية إلى أن المريض إذا وقف على بعض ورثته دون الباقين، فإن أجاز بقية الورثة الوقف كان جميعه وقفا سواء خرج من الثلث أو لم يخرج، ويقسم على الموقوف عليهم حسب شرط الواقف.

        وإن لم يجيزوه نفذ الوقف فيما خرج من الثلث غير أنه يقسم على جميع الورثة - من وقف عليه ومن لم يوقف عليه - على حسب ميراثهم الشرعي، فإذا انقرض الموقوف عليهم أصالة صرفت غلة الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف، وقطع عن بقية الورثة.

        وحجته :

        1- ما تقدم في حجة القول الأول في المسألة السابقة . [ ص: 325 ]

        2- أن ذلك تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه الهبات.

        3- أن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز له بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث.

        وحجة الحنفية :

        أن المريض له أن يتصرف في ثلث ماله بإخراجه عن ملكه غير أن الوصية للوارث لم تنفذ لما فيه من تفضيل بعضهم على بعض، فإذا قسم الوقف بينهم حسب ميراثهم الشرعي زال المانع فنفذ وقفه ، ولو كان لوارث.

        ولأن الوقف لم يتمحض للوارث; لأنه بعده لغيره.

        القول الثاني : أنه لا يصح إلا بإجازة الورثة، ويعتبر ابتداء وقف منهم بقدر الثلث، أو أكثر، إلا أنه لو صح من مرضه وقبض عنه نفذ ولو مات بعد ذلك .

        وهو قول المالكية.

        وحجته : ما تقدم من حجتهم في المسألة.

        القول الثالث: أنه يصح مطلقا إذا كان بقدر الثلث .

        وهو مذهب الحنابلة.

        وحجته :

        1- حديث عمر رضي الله عنه ، وفيه : "تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذوو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث يرى من السائل وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا".

        وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه جعل لحفصة رضي الله عنها أن تأكل من وقفه، وتشتري رقيقا. [ ص: 326 ]

        قال الميموني : قلت لأحمد: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بالوقف، وليس في الحديث الوارث، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمره وهو ذا قد وقفها على ورثته، وحبس الأصل عليهم جميعا .

        ونوقش: بأن عمر رضي الله عنه لم يخص بعض الورثة بوقفه، والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم، وأما جعل الولاية لحفصة فليس ذلك وقفا عليها، فلا يكون في محل النزاع، وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جواز التخصيص.

        2- أن الوقف ليس في معنى المال; لأنه لا يجوز التصرف فيه، فهو عتق الوارث.

        ونوقش: بأنه نظر في مقابلة النص، وأيضا هو قياس مقابل بمثله .

        وقولهم : ليس الوقف في معنى المال غير مسلم ; بدليل بيعه عند تعطل مصالحه .

        قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : "ومن الفروق الضعيفة جدا، بل الخارقة للإجماع تجويز الفقهاء وقف المريض مرض الموت المخوف على بعض ورثته دون إذن الباقين، فإن هذا القول هو عين الوصية للوارث الذي نص الشارع على بطلانه، وأجمع العلماء عليه".

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أنه لا يجوز تخصيص المريض مرض الموت لبعض ورثته بالوقف دون بعض; لقوة دليلهم، ولما تقدم أن هذا لا يجوز من الصحيح فالمريض من باب أولى. [ ص: 327 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية