المطلب الثالث
القسم الثالث: الأمراض الممتدة
على قولين: الأمراض المزمنة، أو الممتدة هي التي تطول وتستمر زمنا طويلا . فإذا وقع الشخص في مرض من ذلك، فاختلف العلماء رحمهم الله في حكم وقفه
القول الأول: أن حكمه حكم الصحيح في جميع تبرعاته إلا إن أصبح مخوفا كالقسم الثاني .
وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية .
قال الكاساني: "وكذلك صاحب الفالج ونحوه إذا طال به ذلك فهو في حكم الصحيح; لأن ذلك إذا طال لا يخاف منه الموت غالبا ، فلم يكن مرض الموت، إلا إذا تغير حاله من ذلك ومات من ذلك التغير ، فيكون حال التغير مرض الموت; لأنه إذا تغير يخشى منه الموت غالبا، فيكون مرض الموت، وكذا الزمن والمقعد".
وجاء في فتاوى عليش: "قال ابن سلمون: ولا يعتبر في المرض العلل المزمنة التي لا يخاف على المريض منها كالجذام والهرم، وأفعال أصحاب [ ص: 328 ] ذلك أفعال الأصحاء بلا خلاف ا.هـ، قال عبد الباقي: وفي المدونة كون المفلوج والأبرص والأجذم وذي القروح من الخفيف ما لم يقعده ويضنه ، فإن أقعده وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه ، فله حكم المرض المخوف".
ويرجع في معرفة كون التغير مخوفا إلى الأطباء العارفين بالأمراض .
القول الثاني: إن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة، وإن لم يصر صاحب فراش فعطاياه كصحيح.
وهو مذهب الحنابلة .
الأدلة:
حجة الجمهور:
1- عموم أدلة الوقف، وهذا يشمل المريض مرضا ممتدا .
2- أن الأصل صحة التبرعات ; لبقاء الأهلية، إلا لدليل .
3- أنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم. [ ص: 329 ]
حجة الحنابلة:
أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة .
الترجيح :
الراجح - والله أعلم - قول جمهور أهل العلم أن صاحب المرض الممتد عطاياه كالصحيح، إلا إن صار مرضه مخوفا; إذ الدليل ورد في المرض المخوف.
تنبيه : ما يتعلق بوقت اعتبار الثلث، وكون الموقوف عليه وارثا، وما يتعلق بإثبات مرض الموت، ونحو ذلك من مسائل سبق بحثها في كتابنا أحكام الهبة ; إذ الجامع في كل التبرع. [ ص: 330 ] [ ص: 331 ]