الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      لا أقسم بهذا البلد : يجوز أن تكون {لا} زائدة، على حسب ما تقدم في لا أقسم بيوم القيامة [القيامة: 1]، قاله الأخفش، وأجاز أن تكون بمعنى: (ألا)، وقيل: هي كقول الإنسان: لا والله، [وقيل: هي رد لكلامهم، ثم ابتدأ القسم]، وقيل: هي نفي صحيح; والمعنى: لا أقسم بهذا البلد بعد خروجك منه يا محمد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 104 ] وقوله: وأنت حل بهذا البلد : قال ابن عباس وغيره: أحل له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء، فقتل ابن خطل، ولم يحل لأحد من الناس أن يقتل بها أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ابن زيد: لم يكن بها أحد حلالا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ووالد وما ولد : قال الحسن، ومجاهد، وغيرهما: يعني: آدم وولده.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: {ووالد} يعني: الذي يولد له، وما ولد يعني: العاقر.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عمران الجوني: يعني: إبراهيم عليه السلام، وولده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو عموم; والمعنى: ووالد وولادته، روي معناه عن ابن عباس أيضا، وهو اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد أي: شدة ونصب، عن ابن عباس والحسن، وعن ابن عباس أيضا: في شدة; من حمله، وولادته، ورضاعه، ونبت أسنانه، وغير ذلك من أحواله.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: يكابد أمر الدنيا والآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 105 ] النخعي، ومجاهد، وغيرها: في كبد في انتصاب قامة، خص بذلك من بين سائر الحيوان.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: معنى في كبد : في السماء; أي: خلق آدم في السماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن هذا نزل في رجل من بني جمح، كان يقال له: أبو الأشدين، وكان يأخذ الأديم، فيجعله تحت قدميه، ويجذبه عشرة حتى يتمزق، ولا تزول قدماه، وكان من أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه نزل: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ; يعني: لقوته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يقول أهلكت مالا لبدا أي: أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد.

                                                                                                                                                                                                                                      و (اللبد): الكثير الذي يتراكب بعضه على بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عدد الله عليه نعمه، فقال: ألم نجعل له عينين {ولسانا وشفتين وهديناه النجدين يعني: الطريقين; طريق الخير، وطريق الشر; أي: بيناهما له، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، وعن ابن عباس أيضا: {النجدين}: الثديان، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وأصل (النجد) في اللغة: العلو، وجمعه: (نجود).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 106 ] وقوله: فلا اقتحم العقبة يعني: جبلا في جهنم، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تمثيل، معناه: لم يفعل ما أمر به.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: لم يسلك الطريق الذي فيه النجاة; والمعنى على هذا: لم يقتحم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر ما تستعمل (لا) في مثل هذا مكررة، فيجوز أن يكون قول: ثم كان من الذين آمنوا قائما مقام التكرير; كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو جار مجرى الدعاء; كقولك: لا نجا، ولا سلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فهلا اقتحم، أو فألا اقتحم العقبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: [إن {العقبة} النار نفسها، وقيل]: إن {العقبة} ما ذكر بعدها من قوله: فك رقبة ، وما بعده، وهذا إنما يليق بقول من حمل فلا اقتحم العقبة على الدعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الاقتحام): الدخول على شدة وضغط.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 107 ] وقوله: وما أدراك ما العقبة أي: ما اقتحام العقبة؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فك رقبة أي: اقتحامها فك رقبة من الرق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة أي: مجاعة، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يتيما ذا مقربة أي: قرابة، أو مسكينا ذا متربة أي: قد لصق بالتراب من الفقر.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: ذا عيال، وكبر سن، لا قرابة بينك وبينه، وعنه أيضا: (المتربة): الحاجة، وعنه أيضا: هو الذي يخرج من بيته لحاجة، ثم ينقلب إليه متيقنا أنه لا شيء فيه إلا التراب.

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري: هو المطروح في ظهر الطريق، ولا بيت له.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: (ترب الرجل); إذا افتقر، و (أترب); إذا استغنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {ثم كان من الذين آمنوا : قيل: دخول {ثم} ههنا على معنى: ثم أخبركم بهذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: ثم ثبت على الإيمان، وكان فعله أولا وهو مؤمن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ثم ضم إلى هذا الإيمان; لأنه بغير إيمان لا ينتفع به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 108 ] وقيل: إن {ثم} بمعنى الواو.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وتواصوا بالصبر أي: على ما نالهم في ذات الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      الفضيل بن عياض: أي: بالصبر عن معاصي الله عز وجل و (المرحمة): مرحمة الله، عن ابن عباس، وقيل: المرحمة بالمساكين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عليهم نار مؤصدة أي: مطبقة، وفيه لغتان: (آصدته)، و (أوصدته).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية