التفسير:
لا أقسم بهذا البلد : يجوز أن تكون {لا} زائدة، على حسب ما تقدم في لا أقسم بيوم القيامة [القيامة: 1]، قاله وأجاز أن تكون بمعنى: (ألا)، وقيل: هي كقول الإنسان: لا والله، [وقيل: هي رد لكلامهم، ثم ابتدأ القسم]، وقيل: هي نفي صحيح; والمعنى: لا أقسم بهذا البلد بعد خروجك منه يا الأخفش، محمد.
[ ص: 104 ] وقوله: وأنت حل بهذا البلد : قال وغيره: أحل له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء، فقتل ابن عباس ابن خطل، ولم يحل لأحد من الناس أن يقتل بها أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يكن بها أحد حلالا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم]. [ابن زيد:
وقوله: ووالد وما ولد : قال الحسن، وغيرهما: يعني: آدم وولده. ومجاهد،
{ووالد} يعني: الذي يولد له، ابن عباس: وما ولد يعني: العاقر.
يعني: أبو عمران الجوني: إبراهيم عليه السلام، وولده.
وقيل: هو عموم; والمعنى: ووالد وولادته، روي معناه عن أيضا، وهو اختيار ابن عباس الطبري.
وقوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد أي: شدة ونصب، عن ابن عباس وعن والحسن، أيضا: في شدة; من حمله، وولادته، ورضاعه، ونبت أسنانه، وغير ذلك من أحواله. ابن عباس
يكابد أمر الدنيا والآخرة. قتادة:
[ ص: 105 ] النخعي، وغيرها: ومجاهد، في كبد في انتصاب قامة، خص بذلك من بين سائر الحيوان.
معنى ابن زيد: في كبد : في السماء; أي: خلق آدم في السماء.
وروي: أن هذا نزل في رجل من بني جمح، كان يقال له: أبو الأشدين، وكان يأخذ الأديم، فيجعله تحت قدميه، ويجذبه عشرة حتى يتمزق، ولا تزول قدماه، وكان من أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه نزل: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ; يعني: لقوته.
وقوله: يقول أهلكت مالا لبدا أي: أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد.
و (اللبد): الكثير الذي يتراكب بعضه على بعض.
ثم عدد الله عليه نعمه، فقال: ألم نجعل له عينين {ولسانا وشفتين وهديناه النجدين يعني: الطريقين; طريق الخير، وطريق الشر; أي: بيناهما له، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله ابن مسعود وغيرهما، وعن وابن عباس أيضا: {النجدين}: الثديان، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، وأصل (النجد) في اللغة: العلو، وجمعه: (نجود). علي
[ ص: 106 ] وقوله: فلا اقتحم العقبة يعني: جبلا في جهنم، عن ابن عباس.
وقيل: هو تمثيل، معناه: لم يفعل ما أمر به.
المعنى: لم يسلك الطريق الذي فيه النجاة; والمعنى على هذا: لم يقتحم. ابن زيد:
وأكثر ما تستعمل (لا) في مثل هذا مكررة، فيجوز أن يكون قول: ثم كان من الذين آمنوا قائما مقام التكرير; كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن.
وقيل: هو جار مجرى الدعاء; كقولك: لا نجا، ولا سلم.
وقيل: المعنى: فهلا اقتحم، أو فألا اقتحم العقبة.
وقيل: [إن {العقبة} النار نفسها، وقيل]: إن {العقبة} ما ذكر بعدها من قوله: فك رقبة ، وما بعده، وهذا إنما يليق بقول من حمل فلا اقتحم العقبة على الدعاء.
و (الاقتحام): الدخول على شدة وضغط.
[ ص: 107 ] وقوله: وما أدراك ما العقبة أي: ما اقتحام العقبة؟
وقوله: فك رقبة أي: اقتحامها فك رقبة من الرق.
وقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة أي: مجاعة، عن وغيره. ابن عباس
وقوله: يتيما ذا مقربة أي: قرابة، أو مسكينا ذا متربة أي: قد لصق بالتراب من الفقر.
ذا عيال، وكبر سن، لا قرابة بينك وبينه، وعنه أيضا: (المتربة): الحاجة، وعنه أيضا: هو الذي يخرج من بيته لحاجة، ثم ينقلب إليه متيقنا أنه لا شيء فيه إلا التراب. ابن عباس:
الثوري: هو المطروح في ظهر الطريق، ولا بيت له.
ويقال: (ترب الرجل); إذا افتقر، و (أترب); إذا استغنى.
وقوله: {ثم كان من الذين آمنوا : قيل: دخول {ثم} ههنا على معنى: ثم أخبركم بهذا.
وقيل: معناه: ثم ثبت على الإيمان، وكان فعله أولا وهو مؤمن.
وقيل: المعنى: ثم ضم إلى هذا الإيمان; لأنه بغير إيمان لا ينتفع به.
وقيل: المعنى: ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى.
[ ص: 108 ] وقيل: إن {ثم} بمعنى الواو.
وقوله: وتواصوا بالصبر أي: على ما نالهم في ذات الله تعالى.
أي: بالصبر عن معاصي الله عز وجل و (المرحمة): مرحمة الله، عن الفضيل بن عياض: وقيل: المرحمة بالمساكين. ابن عباس،
وقوله: عليهم نار مؤصدة أي: مطبقة، وفيه لغتان: (آصدته)، و (أوصدته).