الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 505 ] وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: إن قوله: ومن قتله منكم متعمدا معناه: متعمدا لقتله، ناسيا لإحرامه، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إن قتله ذاكرا لإحرامه وتحريمه أنه لا حج له، وأكثر العلماء على أنه يجب عليه الجزاء، وحجه تام، وقد روي عن مجاهد، وابن زيد: أنه لا حكم عليه، ويستغفر الله، وحجه تام.

                                                                                                                                                                                                                                      والخطأ والعمد في قتل الصيد - في مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابه - سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عباس، وابن جبير: أنه لا شيء عليه في الخطأ، وقاله طاووس، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قتل الصيد في إحرامه مرة بعد مرة; حكم عليه كلما قتله، في قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عباس أنه قال: لا يحكم عليه إلا في المرة الأولى; لقوله تعالى: عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ; وقاله سعيد بن جبير، والحسن، وشريح، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 506 ] ولقاتل الصيد الخيار بين المثل، والإطعام، أو الصيام، بعد أن يحكم عليه ذوا عدل، هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس: إن كان عنده جزاؤه ذبحه، وتصدق به، وإن لم يكن عنده جزاؤه; قوم جزاؤه بدراهم، ثم قومت الدراهم بطعام، فصام، وإنما أريد بالطعام الصيام.

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير: إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ الهدي.

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري: إن لم يجد هديا; أطعم، فإن لم يجد طعاما; صام.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب مالك والشافعي في الصيام: أن يصوم عن كل مد يوما، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: عن كل نصف صاع يوما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم معناه: أن عليه في النعامة بدنة، وفي الظبي شاة، وكذلك ما أشبه ذلك، وفي حمار الوحش عند مالك والشافعي بقرة، وقال ابن عباس: بدنة، وقد بسطت القول في المثل، وفيما ليس له مثل، في «الكبير».

                                                                                                                                                                                                                                      ويحكم في الجزاء عدلان، ولا يحكمان من الإبل والبقر والغنم إلا بما يجوز في الضحايا، فإن اختلفا; ابتدأ الحكم غيرهما، ويحكمان بغير رأي الإمام، وله [ ص: 507 ] أن يرجع إلى غيرهما، هذا قول مالك وغيره من العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أحل لكم صيد البحر وطعامه : (صيد البحر): حلال للمحرم بالنص، وكذلك حكم الأنهار، و (طعام البحر): ما طرحه ميتا، أو نضب عنه الماء، وقيل: هو المملوح، وقيل: (صيده): ما صيد، و (طعامه): أكله، فأباح الصيد واللحم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما : أكثر العلماء: على أن المحرم على المحرم ما صاده بنفسه، أو صيد من أجله، فإن صاده الحلال، وأهداه إلى المحرم، أو باعه منه; فهو له حلال، هذا قول مالك وأكثر العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن علي، وابن عباس، وغيرهما: أن لحم الصيد محرم على المحرمين، وكرهه جابر بن زيد، والثوري، وطاووس، وإسحاق، وصيد المحرم محرم على الحلال والمحرم في قول كافة العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وأرخص مالك في إدخال الصيد من الحل إلى الحرم، ورخص فيه جابر بن عبد الله، وهشام بن عروة، وغيرهما من الصحابة، والتابعين، وكرهه ابن عباس، وعائشة، وغيرهما، وأبو حنيفة، وابن حنبل، وإسحاق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 508 ] سميت الكعبة كعبة; لتربيعها، عن مجاهد وعكرمة، وأصله: من الكعوبة; وهو النتوء)، ومنه: (الكاعب).

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (قياما للناس) أي: ما أمروا أن يقوموا بالفرض فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: كانت هذه في الجاهلية حواجز، وقد تقدم ذكر ذلك في أول السورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية