الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى : قيل: هي في النصارى كافة; لأنهم كانوا أقل تظاهرا على النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس: هي في النجاشي وأصحابه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: هم قوم من أهل الحق، كانوا مستمسكين بشريعة عيسى عليه السلام، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم; آمنوا به.

                                                                                                                                                                                                                                      و(القسيسون): العباد، واحدهم: (قسيس)،و(الرهبان): جمع (راهب)، وقيل: إنه يكون واحدا، ويجمع (رهابين); كـ (قربان وقرابين)، ويجمع على (رهابنة) أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 509 ] وقوله: فاكتبنا مع الشاهدين : تقدم القول فيه في (آل عمران) [53].

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: نهى الله المسلمين أن يفعلوا فعل الرهبان; من حبسهم أنفسهم في الصوامع، وتحريمهم النساء، وكان قوم من الصحابة هموا بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى ولا تعتدوا : لا تتجاوزوا ما حد لكم، ويروى: أن قوما من الصحابة عزموا على ألا يفطروا أبدا، وعزم قوم على ألا يناموا ليلا، وعزم قوم على تحريم النساء، وأن يخصوا أنفسهم، فنزلت هذه الآية فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر المفسرون: أن هذه الآية نزلت في الذين شربوا الخمر قبل تحريمها، روي معناه عن ابن عباس، وأنس بن مالك، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وتكرير (الاتقاء) على أن معنى الأول: إذا ما اتقوا شربها، وآمنوا بتحريمها، ومعنى الثاني: إذا دام اتقاؤهم وإيمانهم، والثالث: على معنى ضم الإحسان إلى الاتقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى الأول: اتقوا الشرك، وآمنوا بالله ورسوله، ومعنى الثاني: ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، والثالث: ثم اتقوا الصغائر، وأحسنوا; أي: تنفلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 510 ] وقيل: المعنى: إذا كانوا اتقوا فيما مضى، على إضمار (كان)، ثم اتقوا وآمنوا في الحال، ثم اتقوا وأحسنوا في الاستقبال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إذا ما اتقوا في الحال التي هم فيها، ثم اتقوا في المستقبل، ثم داموا على الاتقاء، حتى يموتوا عليه وهم محسنون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: اتقوا الخمر، وآمنوا بتحريمها، ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، ثم اتقوا الصغائر، وأحسنوا بالنوافل.

                                                                                                                                                                                                                                      قال جابر بن عبد الله: صبح ناس الخمر يوم أحد قبل تحريمها، فقتلوا جميعا، فنزلت الآية فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض : هذا مردود على ما تقدم من قوله: لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر [المائدة: 41]، وما أخبر به من نفاقهم، وتسمعهم الكذب، وما أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم من سرائرهم; فالمعنى: ذلك لتعلموا الغيب الذي أنبأكم به نبيكم عن الله عز وجل، فيدلكم على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أن الله تعالى حين جعل هذه الأوقات -التي كانت أعظم الأوقات فسادا - أمنا; دل ذلك على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 511 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية