التفسير:
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى : قيل: هي في النصارى كافة; لأنهم كانوا أقل تظاهرا على النبي صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى:
وقال هي في ابن عباس: وأصحابه. النجاشي
وقال هم قوم من أهل الحق، كانوا مستمسكين بشريعة قتادة: عيسى عليه السلام، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم; آمنوا به.
و(القسيسون): العباد، واحدهم: (قسيس)،و(الرهبان): جمع (راهب)، وقيل: إنه يكون واحدا، ويجمع (رهابين); كـ (قربان وقرابين)، ويجمع على (رهابنة) أيضا.
[ ص: 509 ] وقوله: فاكتبنا مع الشاهدين : تقدم القول فيه في (آل عمران) [53].
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا الآية.
قال نهى الله المسلمين أن يفعلوا فعل الرهبان; من حبسهم أنفسهم في الصوامع، وتحريمهم النساء، وكان قوم من الصحابة هموا بذلك. ابن عباس:
ومعنى ولا تعتدوا : لا تتجاوزوا ما حد لكم، ويروى: أن قوما من الصحابة عزموا على ألا يفطروا أبدا، وعزم قوم على ألا يناموا ليلا، وعزم قوم على تحريم النساء، وأن يخصوا أنفسهم، فنزلت هذه الآية فيهم.
وقوله: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية.
ذكر المفسرون: أن هذه الآية نزلت في الذين شربوا الخمر قبل تحريمها، روي معناه عن ابن عباس، وغيرهما. وأنس بن مالك،
وتكرير (الاتقاء) على أن معنى الأول: إذا ما اتقوا شربها، وآمنوا بتحريمها، ومعنى الثاني: إذا دام اتقاؤهم وإيمانهم، والثالث: على معنى ضم الإحسان إلى الاتقاء.
وقيل: معنى الأول: اتقوا الشرك، وآمنوا بالله ورسوله، ومعنى الثاني: ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، والثالث: ثم اتقوا الصغائر، وأحسنوا; أي: تنفلوا.
[ ص: 510 ] وقيل: المعنى: إذا كانوا اتقوا فيما مضى، على إضمار (كان)، ثم اتقوا وآمنوا في الحال، ثم اتقوا وأحسنوا في الاستقبال.
وقيل: المعنى: إذا ما اتقوا في الحال التي هم فيها، ثم اتقوا في المستقبل، ثم داموا على الاتقاء، حتى يموتوا عليه وهم محسنون.
وقيل: المعنى: اتقوا الخمر، وآمنوا بتحريمها، ثم اتقوا الكبائر، وازدادوا إيمانا، ثم اتقوا الصغائر، وأحسنوا بالنوافل.
قال صبح ناس الخمر يوم جابر بن عبد الله: أحد قبل تحريمها، فقتلوا جميعا، فنزلت الآية فيهم.
وقوله: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض : هذا مردود على ما تقدم من قوله: لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر [المائدة: 41]، وما أخبر به من نفاقهم، وتسمعهم الكذب، وما أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم من سرائرهم; فالمعنى: ذلك لتعلموا الغيب الذي أنبأكم به نبيكم عن الله عز وجل، فيدلكم على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
وقيل: المعنى: أن الله تعالى حين جعل هذه الأوقات -التي كانت أعظم الأوقات فسادا - أمنا; دل ذلك على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
[ ص: 511 ]