إسلام ويب - التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل - تفسير سورة الرعد

وقوله تعالى: له دعوة الحق : قال ابن عباس، وقتادة، وغيرهما: لا إله إلا الله.

[ ص: 560 ] وقيل: هي الدعوة التي يدعى الله تعالى بها على إخلاص الوحدانية.

وقوله: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه يعني: أن الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء بيده؛ فلا يتعلق بكفه شيء منه.

وقيل: المعنى: كالذي يرفع الإناء إلى فيه يرجو به الحياة، فيموت قبل أن يدركه.

وعن علي رضي الله عنه قال: المعنى: كالذي يدعو الماء من البئر.

والعرب تضرب المثل لمن طلب ما لا يبلغه بالقابض على الماء، فضرب الله تعالى هذا المثل لمن يعبد ما لا ينفع ولا يضر.

وقوله: ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها : قال الحسن، وقتادة، وغيرهما: المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها بالسيف.

وعن قتادة أيضا: يسجد الكافر كرها حين لا ينفعه الإيمان.

الزجاج: سجود الكافر كرها: ما فيه من الخضوع وأثر الضعة.

[ ص: 561 ] وقيل: معنى {والأرض}: وبعض من في الأرض؛ يعني: المؤمنين، فيكون معنى طوعا وكرها : أن بعضهم يسجد طوعا؛ أي: يسهل ذلك عليه، وبعضهم يكره نفسه لله عز وجل.

وقوله: وظلالهم بالغدو والآصال : قال مجاهد: ظل المؤمن يسجد لله تعالى طائعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد لله تعالى طائعا وهو كاره.

وقوله تعالى: قل من رب السماوات والأرض قل الله : معناه: أنه لما قال لهم: من رب السماوات والأرض ؟ جهلوا، فقالوا: من هو؟ فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل الله .

وقوله: قل هل يستوي الأعمى والبصير : مثل للمؤمن والكافر.

وقوله: أم هل تستوي الظلمات والنور : مثل للكفر والإيمان.

وقوله تعالى: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم أي: هل خلق غير الله مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم؟

وقوله: أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها أي: بقدر مائها، وقيل: بقدر صغرها وكبرها.

فاحتمل السيل زبدا رابيا : (الزبد): ما ارتفع فوق الماء من الغثاء، و {رابيا}: عاليا فوق الماء.

وقوله: ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية : (الحلية): الذهب والفضة.

[ ص: 562 ] أو متاع زبد مثله : (المتاع): ما يستمتع به؛ كالحديد، والصفر، والرصاص، وقوله: زبد مثله أي يعلو هذه الأشياء زبد؛ كما يعلو السيل زبد مثله؛ يعني: خبثها.

فأما الزبد فيذهب جفاء : قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو: يقال: (أجفأت القدر) ؛ إذا غلت حتى ينصب زبدها، و (الجفاء): ما أجفأه الوادي؛ أي: رمى به.

وقوله: وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض : قال مجاهد: هو الماء، وقيل: الماء وما خلص من الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر.

وهذا مثل ضربه الله تعالى للحق في ثباته، والباطل في اضمحلاله، فاعلم أن الباطل وإن علا في بعض الأحوال يضمحل؛ كاضمحلال الزبد والخبث.

فهما مثلان:

آخر الأول منهما: فاحتمل السيل زبدا رابيا ؛ فالماء هو الحق، والزبد الرابي هو الباطل، والأودية مثل للقلوب؛ لأنها يسكنها الماء كما يسكن الإيمان في القلوب، والماء المنزل من السماء مثل للقرآن الذي يعم نفعه كل قلب طيب؛ كما يعم نفع الماء المنزل كل أرض طيبة، والسيل مثل للأهواء العارضة في القلوب؛ لأن الهوى يغلب على القلب كما يغلب السيل، والمستقر من الماء مثل [ ص: 563 ] لما يستقر في قلب المؤمن من القرآن، ينتفع به كما ينتفع بذلك الماء.

والمثل الثاني للحق والباطل: مثل الله تعالى ذلك بالذهب، والفضة، والحديد، وشبهه مما يوقد عليه؛ لاتخاذ حلية أو متاع ينتفع به، فشبه الباطل بخبثه، والحق بما خلص منه، وبين ذلك بقوله: كذلك يضرب الله الحق والباطل أي: مثل الحق والباطل.

وقوله: للذين استجابوا لربهم الحسنى أي: الجنة، عن الحسن، وقتادة.

وقوله في أهل النار: أولئك لهم سوء الحساب : قال ابن عباس: أي: المناقشة بالأعمال.