[ ص: 57 ] التفسير:
(الظلال) : ظل كل ما يستظل به، وواحد (الأكنان) : (كن) .
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر : [المعنى: تقيكم الحر] والبرد فحذف لدلالة المعنى، وقيل: إنما ذكر {الحر} ; لأنه الغالب عندهم; ولذلك ذكر {الجبال} دون (السهل) ، و (الأصواف) ، و (الأوبار) ، و (الأشعار) ، دون (القطن) ، و (الكتان) ، وغيرهما.
و (السرابيل) : القمص، واحدها: (سربال) ، ويقال للدروع أيضا: (سرابيل) ; وهي التي قال: وسرابيل تقيكم بأسكم ، و (البأس) : الحرب.
وقوله: لعلكم تسلمون أي: تستسلمون لأمر الله، وتنقادون، ومن قرأ: {تسلمون} ; فالمعنى: تسلمون من الجراح.
وقوله تعالى: يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: يعني: جميع نعمه.
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا يعني: نبيها.
وقوله: ثم لا يؤذن للذين كفروا أي: لا يؤذن لهم في الاعتذار.
[ ص: 58 ] ولا هم يستعتبون أي: لا يتركون أن يرجعوا إلى الدنيا فيتوبوا، وحقيقته: لا يزال لهم عما يدعو إلى العتب; كقولك: (أشكيته) ; أي: أزلت له عما يشكوه، و (أشكلت الكتاب) ; أزلت عنه إشكاله، وهذا يسمى السلب، وهذا من لطيف كلام العرب.
وقوله: وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم يعني: الأصنام تحشر معهم; توبيخا لهم.
قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا أي: شركاؤنا في الكفر، وقيل: معناه: الذين جعلناهم لك شركاء.
فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون أي: ألقت الآلهة إليهم القول; أي: أنطقت بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها.
وقيل: المراد بذلك: الملائكة، أو الذين عبدوهم.
[ ص: 59 ] وقوله: زدناهم عذابا فوق العذاب : قال يعني: عقارب أنيابها مثل النخل الطوال. ابن مسعود:
وقيل: المعنى: أنهم يخرجون من النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النار.
وقوله تعالى: ونـزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء : قال للحلال والحرام، ومعنى ذلك: أن كل ما يحتاج إلى معرفته من علم الحلال والحرام مذكور فيه ومتعلق به; لأن كل ما كان من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الإجماع، أو القياس; فهو متعلق بالقرآن; لأنه أمر باتباعه، على ما بينته في ((الكبير)) . مجاهد:
و (التبيان) ، و (البيان) سواء.
وقوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان : قيل: (العدل) : الفرض، و {الإحسان} : النافلة.
(العدل) شهادة أن لا إله إلا الله، و {الإحسان} : أداء الفرائض. ابن عباس:
(العدل) ههنا: استواء السريرة والعلانية، و {الإحسان} : أن تكون السريرة أفضل من العلانية. سفيان بن عيينة:
وقوله: وينهى عن الفحشاء والمنكر : قال هو أن [ ص: 60 ] تكون علانيته أفضل من سريرته. سفيان بن عيينة:
وقيل: هو كل قول أو فعل قبيح.
هو الزنا، قال: {والبغي} : الكبر، وقيل: هو التعدي، ومجاوزة الحد. ابن عباس:
وقوله: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها أي: بعد تغليظها، عن مجاهد.
وقوله: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا : (الأنكاث) : ما [نقض من الخز، والوبر، وغيرهما; ليغزل ثانية، وكذلك كل] منقوض بعد الفتل.
قال مجاهد: أمروا في الإسلام أن يوفوا به، ولا ينقضوه. نزلت هذه الآية في الحلف الذي كان بينهم في الجاهلية،
هؤلاء قوم حالفوا قوما، فجاءهم أعز منهم، فأرادوا نقض العهد الأول، ومخالفة الآخرين، فنهوا عن ذلك. ابن زيد:
وقوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة أي: لأن تكون أمة أكثر عددا [ ص: 61 ] وأقوى من أمة، و {أربى} : من الزيادة; يقال: (أربى على المئة) ; أي: زاد عليها.
وقيل: هو من أجل قلة المسلمين، وكثرة المشركين. تحذير لمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من أن ينقضوا العهد;
وروي: أن التي كانت تنقض غزلها ريطة بنت سعد، كانت تغزل غزلا، ثم تأمر جارية لها أن تنقضه.
وقيل: بل هي امرأة موسوسة، تسمى خطية، كانت بمكة تغزل عند الحجر طول نهارها، ثم تنقضه.
وقيل: لم يقصد به امرأة بعينها.
ومعنى تتخذون أيمانكم دخلا بينكم : خديعة وغرورا.
وقوله: إنما يبلوكم الله به أي: يختبركم بأمره إياكم بالوفاء.
[ ص: 62 ] [وقوله تعالى: فتزل قدم بعد ثبوتها أي: فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين من الهلاك، وهذا مثل تستعمله العرب لكل من وقع في هلكة].
وقوله: فلنحيينه حياة طيبة : قال هو الرزق الحلال، ابن عباس: القناعة، الحسن: يعني: الحياة الطيبة في الآخرة. ابن جبير:
وقوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي: فإذا أردت قراءة القرآن.
إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا أي: حجة.
ليس له سلطان أن يحمل المؤمن على ذنب لا يغفر. الثوري:
وقيل: الذين آمنوا : هم المذكورون في قوله: إلا عبادك منهم المخلصين [الحجر: 40].
وقوله: والذين هم به مشركون قال (الهاء) في {به} لله تعالى، وقيل: (الهاء) للشيطان; والمعنى: والذين هم من أجله مشركون. الضحاك:
وقوله: وإذا بدلنا آية مكان آية الآية:
قال أي: رفعنا آية، وجعلنا موضعها غيرها. مجاهد:
غيره: المعنى: نسخنا آية بآية أشد منها عليهم.
[ ص: 63 ] قالوا إنما أنت مفتر أي: كاذب، فقال الله تعالى: قل نـزله روح القدس من ربك بالحق يعني: جبريل عليه السلام.
وقوله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين : قال كان اسم الذي يلحدون إليه بلعام، وكان غلاما يقرأ التوراة. ابن عباس:
هو غلام لبني عكرمة: عامر بن لؤي، واسمه: يعيش.
هو عبد لبني مجاهد: الحضرمي، كان روميا، يحسن الكتب.
هو الضحاك: سلمان الفارسي.
وقيل: هما غلامان; اسم أحدهما: جبر، والآخر: يسار، وكانا يقرآن التوراة.
وقوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره [الآية:
[ ص: 64 ] قال ابن عباس، وقتادة: أكره على الكفر، عمار بن ياسر، فقارب بعض ما أريد منه]. نزلت في
وقلبه مطمئن بالإيمان : نزلت في قوم أسلموا عكرمة: بمكة، ولم يمكنهم الخروج، فأخرجهم المشركون يوم بدر كرها; فقتلوا.
وقوله: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا : قال نزلت في قوم خرجوا مهاجرين إلى قتادة: المدينة بعد أن فتنهم المشركون، وعذبوهم.
وقيل: نزلت في ابن أبي سرح، وقد كان ارتد، ولحق بالمشركين; فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة; فاستجار فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم. بعثمان بن عفان;
وقوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها : جاء في الخبر: ((أن كل أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي; من شدة أهوال يوم القيامة، سوى محمد صلى الله عليه وسلم; فإنه يسأل في أمته)) .
[ ص: 65 ] وقوله: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة الآية:
قال وغيره: يعني: ابن عباس، مكة، وعن حفصة أنها والزهري: المدينة.
فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا : قيل: هو أمر للمؤمنين، وقيل: للمشركين; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بطعام; رقة عليهم.
وقوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل يعني: ما قصه في (الأنعام) من قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر [الأنعام: 146] الآية.
وقوله تعالى: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله : قال (الأمة) : معلم الخير. ابن مسعود:
المعنى: كان مؤمنا وحده. مجاهد:
وآتيناه في الدنيا حسنة : قال لسان صدق. مجاهد:
وقيل: هو أنه ليس من أمة إلا وهي تتولاه وترضاه، عن قتادة، وغيره.
[ ص: 66 ] و (القانت) : المطيع، و (الحنيف) : المائل، وقد تقدم ذكره.
وتقدم القول في قوله: وإنه في الآخرة لمن الصالحين .
وقوله: إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه : قال قتادة: أحله بعضهم، وحرمه بعضهم.
قال تركوا الجمعة، وأخذوا السبت. مجاهد:
وقوله: وجادلهم بالتي هي أحسن : قيل: هي منسوخة، وقيل: المعنى: ألن لهم جانبك.
وقوله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية:
قال ابن عباس: بحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم; جزع عليه جزعا شديدا، وقال: ((لأمثلن بثلاثين من قريش)) ; فنزلت الآية. مثل المشركون لما
إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون : [قال اتقوا فيما حرم عليهم، وأحسنوا في أداء فرائضهم]. الحسن: