وقوله تعالى: ويسألونك عن الروح : قال يعني: ابن عباس: جبريل عليه السلام، وعنه أيضا: أنه ملك له أحد عشر ألف جناح، وألف وجه، يسبح الله تعالى [ ص: 137 ] إلى يوم القيامة.
هو ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى. علي رضي الله عنه:
أبو صالح: وليسوا بني آدم. {الروح} : خلق كخلق بني آدم،
وقيل: {الروح} ههنا: روح الحيوان.
وقيل: عيسى عليه السلام.
والسائلون عن {الروح} ههنا: قريش، قالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن أخبركم عن اثنتين، وأمسك عن واحدة; فهو نبي، فسألوه، فأخبرهم بخبر أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، وقال في الروح: قل الروح من أمر ربي ; أي: من الأمر الذي يعلمه الله تعالى دونكم.
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا : هذا لليهود، يخبرهم أن علم التوراة في علم الله تعالى قليل.
وقوله: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك أي: ولو شئنا; لأذهبناه من الصدور والكتب.
ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي: لا تجد من يتوكل برده.
الحسن: المعنى: لا تجد من يمنعك منا إذا أردناك.
[ ص: 138 ] إلا رحمة من ربك : استثناء منقطع; المعنى: لكن الله تعالى رحمك، فثبته في قلبك وقلوب المؤمنين.
ثم أعلمهم على إثر ذلك بأنهم لا يقدرون على الإتيان بمثل القرآن، ولو تظاهرت به الإنس والجن.
ومعنى قوله: {ظهيرا} : معينا.
وقوله تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي: وجهنا القول فيه بكل مثل.
فأبى أكثر الناس إلا كفورا يعني: أن الله تعالى بين الحق للكفار، وفسح لهم وأمهلهم حتى تبين لهم; فأبوا إلا الكفر وقت تبين الحق، ولا حجة للقدرية في قولهم: (لا يقال: "أبى"، إلا لمن أبى فعل ما هو قادر عليه) ; لأن الكافر وإن كان غير قادر على الإيمان بحكم الله تعالى بالإعراض عنه وطبعه على قلبه; فقد كان قادرا وقت الفسحة والمهلة على طلب الحق، وتمييزه من الباطل.
ثم أعلم الله تعالى أنهم لما عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن; اقترحوا الآيات، وقد رأوا منها ما في بعضه مقنع; كانشقاق القمر، وغيره من الآيات والمعجزات.
[ ص: 139 ] وقوله: حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يعني: العيون، عن مجاهد، وهو (يفعول) ، من (نبع ينبع) .
وقوله: فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أي: وسطها.
أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أي: قطعا، عن ابن عباس وغيره، و (الكسف) : جمع (كسفة) ، ومن أسكن السين; جاز أن يكون أيضا جمع (كسفة) ، وجاز أن يكون مصدرا من (كسفت الشيء) ; إذا غطيته; فكأنهم قالوا: تسقطها طبقا علينا.
أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي: معاينة، عن قتادة، وابن جريج.
وقيل: كفيلا.
وقيل: ضمناء يضمنون لنا إتيانك به.
وقيل: قبيلا قبيلا، كل قبيل على حدته.
أو يكون لك بيت من زخرف أي: من ذهب، عن وغيره، [ ص: 140 ] وتقدم القول في (الزخرف) . ابن عباس
أو ترقى في السماء أي: ترقى في سلم إلى السماء ونحن نراك.
وقوله: حتى تنـزل علينا كتابا نقرؤه أي: بنبوتك، اقترحوا أن يصبح عند رأس كل واحد منهم صحيفة من عند الله تعالى يقرؤها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مجاهد: سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا أي: وقوله تعالى: هل أنا إلا بشر مثلكم؟! وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا إلى قوله: لنـزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ; فأعلم الله تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملائكة; لأنه لو أرسل ملكا إلى الآدميين; لم يقدروا أن يروه وهم على الهيئة التي خلقوا عليها، وإنما أقدر الأنبياء على ذلك، وخلق فيهم ما يقدرون به عليه; ليكون ذلك آية لهم ومعجزة.
ويروى: أنهم قالوا حين سمعوا هذا: فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزلت: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم .
[ ص: 141 ] وقوله: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما : قال ابن عباس، أي: عمي عما يسرهم، بكم عن التكلم بحجة، صم عما ينفعهم. والحسن:
وقيل: إنهم ثم يخلق لهم ذلك في النار. يحشرون على الصفة التي وصفهم بها،
وقيل: عموا حين دخلوا النار; لشدة سوادها، وانقطع كلامهم حين قال لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون: 108]، وذهب الزفير والشهيق بسمعهم; فلم يسمعوا معه شيئا.
وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم".
وقوله تعالى: كلما خبت أي: سكنت، عن وغيره. الضحاك
مجاهد: طفئت.
زدناهم سعيرا أي: نارا تتلهب.
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق : قال ابن [ ص: 142 ] عباس، أي: خشية الفقر. وقتادة:
وكان الإنسان قتورا : أي: بخيلا; يعني: الكافر; لأنه ممسك عن الإنفاق في طاعة الله تعالى.