الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ويسألونك عن الروح : قال ابن عباس: يعني: جبريل عليه السلام، وعنه أيضا: أنه ملك له أحد عشر ألف جناح، وألف وجه، يسبح الله تعالى [ ص: 137 ] إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      علي رضي الله عنه: هو ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو صالح: {الروح} : خلق كخلق بني آدم، وليسوا بني آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الروح} ههنا: روح الحيوان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: عيسى عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      والسائلون عن {الروح} ههنا: قريش، قالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن أخبركم عن اثنتين، وأمسك عن واحدة; فهو نبي، فسألوه، فأخبرهم بخبر أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، وقال في الروح: قل الروح من أمر ربي ; أي: من الأمر الذي يعلمه الله تعالى دونكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أوتيتم من العلم إلا قليلا : هذا لليهود، يخبرهم أن علم التوراة في علم الله تعالى قليل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك أي: ولو شئنا; لأذهبناه من الصدور والكتب.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي: لا تجد من يتوكل برده.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المعنى: لا تجد من يمنعك منا إذا أردناك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ] إلا رحمة من ربك : استثناء منقطع; المعنى: لكن الله تعالى رحمك، فثبته في قلبك وقلوب المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أعلمهم على إثر ذلك بأنهم لا يقدرون على الإتيان بمثل القرآن، ولو تظاهرت به الإنس والجن.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: {ظهيرا} : معينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي: وجهنا القول فيه بكل مثل.

                                                                                                                                                                                                                                      فأبى أكثر الناس إلا كفورا يعني: أن الله تعالى بين الحق للكفار، وفسح لهم وأمهلهم حتى تبين لهم; فأبوا إلا الكفر وقت تبين الحق، ولا حجة للقدرية في قولهم: (لا يقال: "أبى"، إلا لمن أبى فعل ما هو قادر عليه) ; لأن الكافر وإن كان غير قادر على الإيمان بحكم الله تعالى بالإعراض عنه وطبعه على قلبه; فقد كان قادرا وقت الفسحة والمهلة على طلب الحق، وتمييزه من الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أعلم الله تعالى أنهم لما عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن; اقترحوا الآيات، وقد رأوا منها ما في بعضه مقنع; كانشقاق القمر، وغيره من الآيات والمعجزات.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] وقوله: حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يعني: العيون، عن مجاهد، وهو (يفعول) ، من (نبع ينبع) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أي: وسطها.

                                                                                                                                                                                                                                      أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أي: قطعا، عن ابن عباس وغيره، و (الكسف) : جمع (كسفة) ، ومن أسكن السين; جاز أن يكون أيضا جمع (كسفة) ، وجاز أن يكون مصدرا من (كسفت الشيء) ; إذا غطيته; فكأنهم قالوا: تسقطها طبقا علينا.

                                                                                                                                                                                                                                      أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي: معاينة، عن قتادة، وابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كفيلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ضمناء يضمنون لنا إتيانك به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: قبيلا قبيلا، كل قبيل على حدته.

                                                                                                                                                                                                                                      أو يكون لك بيت من زخرف أي: من ذهب، عن ابن عباس وغيره، [ ص: 140 ] وتقدم القول في (الزخرف) .

                                                                                                                                                                                                                                      أو ترقى في السماء أي: ترقى في سلم إلى السماء ونحن نراك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى تنـزل علينا كتابا نقرؤه أي: بنبوتك، مجاهد: اقترحوا أن يصبح عند رأس كل واحد منهم صحيفة من عند الله تعالى يقرؤها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا أي: هل أنا إلا بشر مثلكم؟! وقوله تعالى: وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا إلى قوله: لنـزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ; فأعلم الله تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملائكة; لأنه لو أرسل ملكا إلى الآدميين; لم يقدروا أن يروه وهم على الهيئة التي خلقوا عليها، وإنما أقدر الأنبياء على ذلك، وخلق فيهم ما يقدرون به عليه; ليكون ذلك آية لهم ومعجزة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أنهم قالوا حين سمعوا هذا: فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزلت: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 141 ] وقوله: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما : قال ابن عباس، والحسن: أي: عمي عما يسرهم، بكم عن التكلم بحجة، صم عما ينفعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم بها، ثم يخلق لهم ذلك في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: عموا حين دخلوا النار; لشدة سوادها، وانقطع كلامهم حين قال لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون: 108]، وذهب الزفير والشهيق بسمعهم; فلم يسمعوا معه شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كلما خبت أي: سكنت، عن الضحاك وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: طفئت.

                                                                                                                                                                                                                                      زدناهم سعيرا أي: نارا تتلهب.

                                                                                                                                                                                                                                      قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق : قال ابن [ ص: 142 ] عباس، وقتادة: أي: خشية الفقر.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الإنسان قتورا : أي: بخيلا; يعني: الكافر; لأنه ممسك عن الإنفاق في طاعة الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية