الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليس على الأعمى حرج إلى قوله: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا : قالت عائشة رضى الله عنها: كان المسلمون يوعبون في النفير.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 563 ] -تعني: يخرجون بأجمعهم - وكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمنائهم، ويقولون لهم: إن احتجتم فكلوا، فكانوا يقولون: إنما قالوا ذلك لنا عن غير طيب نفس; فنزلت الآية; [فالمعنى على هذا: ليس عليهم في الأكل حرج، فالآية على هذا محكمة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: لما نزلت: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء:29]; كف الناس عن أن يأكل بعضهم عند بعض; فنزلت الآية].

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في قوله: أو ما ملكتم مفاتحه : هو الرجل يوكل الرجل بضيعته، فرخص الله ـ تعالى ـ له في أن يأكل من الطعام والتمر، ويشرب من اللبن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 564 ] وقيل: كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده; فنزل: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ، قال عطاء بن يزيد الليثي.

                                                                                                                                                                                                                                      وعنه أيضا قال: كان الأعمى يتحرج أن يأكل [طعام غيره; لجعله يده في غير موضعها، وكان الأعرج يتحرج أن يأكل] مع الناس; لاتساعه في الموضع، والمريض; لرائحته، فأباح الله ـ تعالى ـ لهم الأكل مع غيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: كان أهل المدينة لا يخالطهم في الطعام أعمى، ولا أعرج ولا مريض; تقززا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كانوا يتحرجون [عن] ذلك; لتقصير أصحاب هذه الآفات عن أكل الأصحاء; فنزلت الآية، فالآية على هذين القولين نسخ لفعلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: كان الرجل يمضي بالأعمى والأعرج والمريض إلى بيت أبيه، أو غيره من أقربائه، فيتحرج من ذلك، ويقول: هو بيت غيره، فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 565 ] عبد الرحمن بن زيد: قوله: ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله: أو صديقكم : منسوخ، قال: وكان الرجل يأتي البيت قبل أن تكون الأغلاق وهو جائع، فيأكل، ثم صارت الأغلاق، فلا يحل لأحد أن يأكل من بيت أحد إلا بإذنه..

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قال: إن الآية منسوخة; فمنهم من قال: نسخها: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء:29]، وقوله: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه [الأحزاب:53]، وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس".

                                                                                                                                                                                                                                      ومنهم من قال: نسخها قوله: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها [النور: 27]، وإذا منعوا الدخول بغير استئذان; كان الأكل أولى بأن يمنع إلا بإذن.

                                                                                                                                                                                                                                      لم يذكر (الأبناء) في هذه الآية; لأن بيوتهم بيوت الآباء، فللرجل أن يأكل من بيت ولده بالمعروف، وليس له أن يأخذ ماله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 566 ] وقوله: أو ما ملكتم مفاتحه : قيل: معناه: ما دفعت إليكم مفاتحه، على ما تقدم، وقال ابن عباس: يعني: العبيد، وقيل: الزمنى، وقيل: المراد به: متاع الرجل نفسه; لأنه الذي يملك مفاتحه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو صديقكم : قال قتادة: لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وإن لم يأذن لك، وهذا إذا كان يعلم أنه لا يمنعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم : قال الحسن: هو المسجد، إذا دخلت فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم; وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [الإسراء:80].

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن جماعة من المفسرين الأمر باستعمال ذلك في كل بيت لا أحد فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه : قال مجاهد: هذا في الغزو، ويوم الجمعة; يعني: أن على من حدث عليه رعاف ونحوه أن يستأذن الإمام.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: المعنى: إذا نابهم أمر في الحرب ونحوها; استأذنوه قبل أن يذهبوا، وروي: أن هذا نزل في حفر الخندق، حين جاءت قريش وقائدها أبو سفيان، وغطفان وقائدها عيينة بن حصن، فضرب النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ الخندق على المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة، فكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل، ويعتذرون بأعذار كاذبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 567 ] وقوله: {لواذا} : مصدر(لاوذ يلاوذ) ; إذا حاد وتنحى في سترة.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: معنى قوله: {لواذا} : خلافا، وكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي أيضا: أنها نزلت في عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكان استأذن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في العمرة، فأذن له، وقال: "يا أبا حفص; لا تنسنا في صالح دعائك".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة في قوله: فأذن لمن شئت منهم : هي منسوخة بقوله: عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية [التوبة:43].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا : قال مجاهد: المعنى: قولوا: يا رسول الله; في رفق ولين، ولا تقولوا: يا محمد; بتجهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: المعنى: دعوة الرسول عليكم واجبة، فاحذروها; أي: لا تتعرضوا لسخطه; فيدعو عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: أمرهم أن يشرفوه، ويفخموه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم : هذا إعلام من الله ـ تعالى ـ بوجوب اتباع أوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم القول في مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عن أمره : معناه عند أبي عبيدة: يخالفون أمره; و {عن} : زائدة، ولا يرى ذلك الخليل وسيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لما كان سبب خلافهم عن أن يأمرهم; صار خلافهم عن أمره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 568 ] الطبري: المعنى: فليحذر الذين يولون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أن تصيبهم فتنة : قيل: عذاب في الدنيا، وقيل: يطبع على قلوبهم; فلا يؤمنون، ويظهرون الكفر بألسنتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أو يصيبهم عذاب أليم : في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قد يعلم ما أنتم عليه أي: قد علمه، فهو يجازيكم به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية