معنى العيد
إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، ونحو ذلك. وقال ابن القيم - رحمه الله -: العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده، من زمان ومكان. مأخوذ من المعاودة والاعتياد. والعيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد،
فإذا كان اسما للمكان، فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع والانتياب بالعبادة وبغيرها، كما أن المسجد الحرام و «منى»، و «مزدلفة» و «عرفة»، والمشاعر، جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء، ومثابة للناس، كما جعل أيام العيد منها عيدا. وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية. فلما جاء الله بالإسلام أبطلها، وعوض الحنفاء منها عيد الفطر، وعيد النحر، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بدار الكعبة، و «منى» و «مزدلفة» و «عرفة» وسائر المشاعر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحديث يشير إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة [ ص: 556 ] والسلام، يحصل مع قربكم من قبري، وبعدكم عنه، بلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا. انتهى.
قلت: والحديث دليل على منع لأن المقصود منها هو الصلاة والسلام عليه، والدعاء له -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يمكن استحصاله من بعد، كما يمكن من قرب، وأن من سافر إليه، وحضر مع ناس آخرين، فقد اتخذه عيدا، وهو منهي عنه بنص الحديث. فثبت منع شد الرحل لأجل ذلك بإشارة النص، كما ثبت النهي عن جعله عيدا بدلالة النص. وهاتان الدلالتان معمول بهما عند علماء الأصول. السفر لزيارته -صلى الله عليه وسلم-؛
ووجه هذه الدلالة على المراد: قوله: فإنه يشير إلى البعد، والبعيد عنه -صلى الله عليه وسلم- لا يحصل له القرب إلا باختيار السفر إليه، والسفر يصدق على أقل مسافة من يوم، فكيف بمسافة باعدة؟! ففيه النهي عن السفر لأجل الزيارة. والله أعلم. تبلغني حيث كنتم»،
والحديث حسن جيد الإسناد، وله شواهد كثيرة، يرتقي بها إلى درجة الصحة، قاله الحافظ محمد بن عبد الهادي. وقال في «فتح المجيد»: رواته مشاهير، لكن قال فيه أبو حاتم الرازي: عبد الله بن نافع ليس بالحافظ، نعرف وننكر. وقال هو ثقة، وقال ابن معين: أبو زرعة: لا بأس به. قال ابن تيمية -رحمه الله-: ومثل هذا إذا كان لحديثه شواهد علم أنه محفوظ، وهذا له شواهد متعددة. انتهى.
قلت: ومن شواهده الصادقة، ما روي عن علي بن الحسين -عليهما السلام-: أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: رواه في «المختارة»، ورواه لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا؛ فإن تسليمكم [ ص: 557 ] يبلغني أين كنتم أبو يعلى، والقاضي إسماعيل، وغيرهم.
قال شيخ الإسلام: نظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرب النسب، وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط. انتهى.
وقال في «سننه»: حدثنا سعيد بن منصور عبد العزيز بن محمد، أخبرني سهل بن سهيل، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- عند القبر، فناداني وهو في بيت يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إذا دخلت المسجد، فسلم، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم ومن فاطمة بالأندلس إلا سواء .
قال سعيد أيضا بسنده عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني».
قال شيخ الإسلام: فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين، يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج به من أرسله، وذلك يقتضي ثبوته عنده. هذا لو لم يروه من وجوه مسندة غير هذين، فكيف وقد تقدم مسندا؟ انتهى.
المراد بعلي بن الحسين: الإمام زين العابدين، وهو أفضل التابعين من أهل بيته -عليه السلام- وأعلمهم. [ ص: 558 ] و «الفرجة» -بضم الفاء، وسكون الراء-: هي الكوة في الجدار، والخوخة، ونحوها.
والحديث دل على النهي عن لمن هو في قصد القبور والمشاهد، لأجل الدعاء والصلاة عندها، المدينة المنورة -على ساكنها الصلاة والتحية- فكيف بمن قصدها من مسافة طويلة، واختار لها السفر، وشد إليها الرحل؟!
قال شيخ الإسلام: ما علمت أحدا رخص فيه؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدا، ويدل أيضا على أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد منهي عنه؛ لأن ذلك لم يشرع.