بيان معنى طاعة أولي الأمر الواجبة على الرعية
ومن تدبير الحروب التي تدهم الناس، والانتفاع بآرائهم فيها وفي غيرها; من تدبير أمر المعاش، وجلب المصالح، ودفع المفاسد الدنيوية . جملة ما تجب فيه طاعة أولي الأمر:
ولا يبعد أن تكون هذه الطاعة في هذه الأمور التي ليست من الشريعة، هي المرادة بالأمر بطاعتهم; لأنه لو كان المراد طاعتهم في الأمور التي شرعها الله ورسوله، لكان ذلك داخلا تحت طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم-.
ولا يبعد أيضا أن تكون الطاعة لهم في الأمور الشرعية في مثل الواجبات المخيرة، وواجبات الكفاية، أو ألزموا بعض الأشخاص بالدخول في واجبات الكفاية، لزم ذلك، فهذا أمر شرعي وجبت فيه الطاعة.
وبالجملة: فهذه الطاعة لأولي الأمر المذكورة في الآية هذه، هي الطاعة التي [ ص: 198 ] ثبتت في الأحاديث المتواترة في طاعة الأمراء، ما لم يأمروا بمعصية الله، أو يرى المأمور كفرا بواحا.
فهذه الأحاديث مفسرة لما في الكتاب العزيز، وليس ذلك من التقليد في شيء، بل هو في طاعة الأمراء الذين غالبهم الجهل والبعد عن العلم في تدبير الحروب، وسياسة الأجناد، وجلب مصالح العباد .
وأما الأمور الشرعية المحضة، فقد أغنى عنها كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- .
واعلم أن هذا الذي سقناه هو عمدة أدلة المجوزين للتقليد، وقد أبطلنا ذلك كله كما عرفت. ولهم شبه غير ما سقناه، وهي دون ما حررناه ; كقولهم: "إن الصحابة قلدوا في المنع من بيع أمهات الأولاد، وفي أن الطلاق يتبع الطلاق . عمر
وهذه فرية ليس فيها مرية; فإن الصحابة مختلفون في كلتا المسألتين.
فمنهم من وافق اجتهادا لا تقليدا، ومنهم من خالفه. وقد كان الموافقون له يسألونه عن الدليل، ويستروونه النصوص. عمر
بل يقبل الرأي، ويترك الرواية، ومن لم يكن هكذا، فليس بمقلد. وشأن المقلد ألا يبحث عن دليل،
ومن جملة ما تمسكوا: أن الصحابة كانوا يفتون والرسول صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، وهذا تقليد لهم.
ويجاب عن ذلك: بأنهم كانوا يفتون بالنصوص من الكتاب والسنة، وذلك رواية منهم.