ما ورد في التحذير من البدع واستعمال الرأي في دين الله
وأخرج بإسناد متصل بمعاذ - رضي الله عنه -: أنه قال: إن وراءكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والمرأة والصبي، والأسود والأحمر، فيوشك أحدهم أن يقول: قد قرأت في القرآن، فما أظن يتبعوني حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع; فإن كل بدعة ضلالة. ابن عبد البر
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنهما: أنه قال: ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: كيف ذلك ؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه، ثم يجد من هو [ ص: 226 ] أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم- منه فيترك قوله، ثم يمضي الأتباع. ابن عباس
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنه -: أنه قال: يا علي بن أبي طالب كميل! إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعى للخير، والناس ثلاثة: 1- فعالم رباني. 2- ومتعلم على سبيل نجاة. 3- وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.
وأخرج عنه أيضا: أنه قال: إياكم والاستنان بالرجال ; فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، ثم ينقلب - لعلم الله فيه - بعمل أهل النار، فيموت وهو من أهل النار.
وأخرج عن أنه قال: ألا لا يقلدن أحدكم دينه، إن آمن، آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر. ابن مسعود:
وروى بإسناده إلى ابن عبد البر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عوف بن مالك الأشجعي، ، وأخرجه "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة: قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرمون ما أحل الله، ويحلون به ما حرم الله" أيضا. البيهقي
قال ابن القيم - بعد إخراجه من طرق -: وهؤلاء بعين رجال إسناده، كلهم ثقات حفاظ، إلا جرير بن عثمان ; فإنه كان منحرفا عن - رضي الله عنه - ومع هذا احتج به علي في "صحيحه" ، وقد روي عنه: أنه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف. البخاري
وروى بإسناده إلى ابن عبد البر - رضي الله عنه -، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي هريرة "تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، وبرهة بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم يعملون بالرأي، فإذا فعلوا ذلك، فقد ضلوا" ، وأخرجه أيضا بإسناد آخر، فيه جبارة بن المغلس، وفيه مقال، وروى أيضا بإسناد إلى - رضي الله عنه -، قال - وهو على المنبر -: يا أيها الناس! إن الرأي إنما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقينا; لأن الله كان يريه، وإنما هو منا بالظن والتكلف. وأخرجه أيضا عمر بن الخطاب في "المدخل" .. البيهقي
[ ص: 227 ] وروى بإسناده إلى ابن عبد البر أيضا: أنه قال: أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت عنهم أن يرووها، فاتقوا الرأي. عمر
وروى بإسناده إليه أيضا، قال: اتقوا الرأي في دينكم. ابن عبد البر
وروي عنه أيضا، قال: إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم، أن يحفظوها، وتفلتت عنهم أن يعوها، واستحيوا حين يسألوا أن يقولوا: لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم.
وأخرج بإسناده إلى ابن عبد البر - رضي الله عنه، قال: ليس عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول: عام أبتر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيهدم الإسلام وينثلم. وأخرجه ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات. البيهقي
وأخرج أيضا عن ابن عبد البر، - رضي الله عنهما -، قال: إنما هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فمن قال بعد ذلك برأيه، فما أدري، أفي حسناته أم في سيئاته؟ ابن عباس
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنهما-: أنه قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال عروة: نهى ابن عباس أبو بكر - رضي الله عنهما - عن المتعة، فقال وعمر أراهم سيهلكون، نقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وتقول: قال ابن عباس: أبو بكر وعمر!
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنه -: أنه قال: من يعذرني من أبي الدرداء أحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ويخبرني برأيه. ومثله عن معاوية؟ - رضي الله عنه- عبادة
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنه- ، قال: السنة ما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة. عمر
وأخرج أيضا عن أنه قال: لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما [ ص: 228 ] حتى أدركت فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا فيهم بالرأي، فأضلوا بني إسرائيل. عروة بن الزبير:
وأخرج أيضا عن أنه قال: إياكم والمقايسة، فوالذي نفسي بيده ! لئن أخذتم بالمقايسة، لتحلن الحرام، ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم ممن حفظ عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحفظوه . الشعبي:
وروى أيضا في ابن عبد البر والتنفير عنه بكلمات تقارب هذه الكلمات عن مسروق، ذم الرأي والتبرؤ منه، وابن سيرين، وعبد الله بن المبارك، وسفيان وشريح، والحسن البصري، وابن شهاب .
وذكر في كتاب "تهذيب الآثار" له بإسناده إلى الطبري قال: قال مالك، قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقد تم هذا الأمر واستكمل، فإنما ينبغي أن تتبع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولا تتبع الرأي، فإنه متى اتبع الرأي، جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك، فاتبعته، فأنت كلما جاء رجل عليك، اتبعته، أرى هذا لا يتم . مالك:
وروى عن ابن عبد البر مالك بن دينار: أنه قال لقتادة: أتدري أي علم رعوت؟ قمت بين الله وعباده، فقلت: هذا لا يصلح، وهذا يصلح.
وروى أيضا عن ابن عبد البر أنه قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول. الأوزاعي:
وروى أيضا عن أنه قال: ما علمته، فقل به، ودل عليه، وما لم تعلم، فاسكت، وإياك أن تقلد الناس قلادة سوء. مالك:
وروي أيضا عن أنه دخل على القعنبي: فوجده يبكي، فقال: ما الذي يبكيك؟ فقال: يا بن قعنب! إنا لله على ما فرط مني، ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها سوطا، ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي وهذه المسائل، وغدا كان لي سعة فيما سبقت إليه. مالك،
وروي أيضا عن أنه قال: ما أدري ما هذا الرأي، سفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستحقت به الحقوق . سحنون:
[ ص: 229 ] وروي أيضا عن أيوب: أنه قيل له: ما لك لا تنظر في الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار: ما لك لا تجتر؟ قال: أكره مضغ الباطل.
وروي عن أيضا: أنه قال: والله! لقد بغض إلي هؤلاء القوم المسجد، حتى لهو أبغض من كناسة داري. الشعبي
قيل له: من هم؟ قال: هؤلاء الآرائيون وكان في ذلك المسجد الحكم، وحماد، وأصحابهما.
وذكر أنه سمع ابن وهب: يقول: لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسنا، وينبغي هذا، ولا نرى هذا. مالكا
وزاد بعض أصحاب عنه في هذا الكلام: أنه قال: ولا يقولون: هذا حلال، وهذا حرام، أما سمعت قول الله - عز وجل - مالك قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [يونس: 59] الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.
وروى أيضا عن ابن عبد البر أنه قال: رأي أحمد بن حنبل: ورأي الأوزاعي، ورأي مالك، كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار . أبي حنيفة،
وروى أيضا عن أنه قال: ما أحدث أحد في العلم شيئا إلا سئل عنه يوم القيامة، فإن وافق السنة، سلم، وإلا، فهو العطب. سهل بن عبد الله القشيري
وقال في تفسير البدعة المذكورة في الحديث الثابت في "الصحيح" من قوله صلى الله عليه وسلم-: الشافعي : "خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"
[ ص: 230 ] إن المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث يخالف كتابا، أو سنة، أو أثرا، أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير، لا خلاف فيه لواحد من هذه الأمة، وهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قال - رضي الله عنه - في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه؟ عمر
وأخرج في "المدخل" ، عن البيهقي - رضي الله عنه -: أنه قال : اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم . ابن مسعود
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: عبادة بن الصامت . "يكونن بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، ولا تعملوا برأيكم"
وأخرج عن - رضي الله عنه -: أنه قال: اتقوا الرأي في دينكم. عمر
وأخرج عنه أيضا بسند رجاله ثقات: أنه قال: يا أيها الناس! اتهموا الرأي على الدين.
وأخرج أيضا عن - رضي الله عنه -: أنه قال: علي بن أبي طالب ، وهو أثر مشهور أخرجه غير لو كان الدين بالرأي، لكان باطن الخفين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهرهما أيضا. البيهقي
وأخرج أيضا ما يفيد الإرشاد إلى اتباع الأثر، والتنفير عن اتباع الرأي، عن البيهقي ابن عمر، وابن سيرين، والحسن، والشعبي، وابن عون، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعي، وابن المبارك، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وأبي حنيفة، ويحيى بن آدم، ومجاهد.
وأخرج أبو داود، وابن ماجه، من حديث والحاكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: عبد الله بن عمرو بن [ ص: 231 ] العاص: . "العلم ثلاثة، فما سوى ذلك فضل: 1- آية محكمة. 2- وسنة قائمة. 3- وفريضة عادلة"
وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، وعبد الرحمن بن رافع، وفيهما مقال .
قال "السنة القائمة" : الثابتة الدائمة، المحافظ عليها معمولا عليها; لقيام إسنادها . ابن عبد البر:
و "الفريضة العادلة" : المساوية للقرآن في وجوب العمل بها، وفي كونها صدقا وصوابا .
وأخرج الديلمي في "مسند الفردوس" ، وأبو نعيم، في "الأوسط" ، والطبراني والخطيب، والدارقطني، عن وابن عبد البر، - رضي الله عنهما - موقوفا: ?"العلم ثلاثة أشياء: 1- كتاب ناطق، 2 وسنة ماضية. 3- ولا أدري" ، وإسناده حسن. عبد الله بن عمر بن الخطاب
وأخرج عن ابن عبد البر - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ابن عباس "إنما الأمور ثلاثة: 1- أمر تبين لك رشده فاتبعه. 2- وأمر تبين لك زيغه فاجتنبه. 3- وأمر اختلف فيه فكله إلى عالمه" .
والحاصل: أن كون الرأي ليس من العلم، لا خلاف فيه بين الصحابة والتابعين وتابعيهم.
قال ولا أعلم بين متقدمي علماء هذه الأمة وسلفها خلافا، أن الرأي ليس بعلم حقيقة. وأما أصول العلم، فالكتاب والسنة. اهـ. ابن عبد البر:
وقال حد العلم عند العلماء والمتكلمين في هذا المعنى، هو ما استيقنته وتبينته، وكل من استيقن شيئا وتبينه، فقد علمه. ابن عبد البر:
وعلى هذا، من لم يستيقن الشيء، وقال به تقليدا، فلم يعلم.
[ ص: 232 ] والتقليد - عند جماعة العلماء - غير الاتباع ; لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك، من فضل قوله، وصحة مذهبه .