باب في لعان المطلقة
وذلك على أربعة أوجه:
أحدها: أن يدعي رؤية وهي زوجته، فلم يقم به حتى طلقت وبانت منه.
والثاني: أن يطلقها، ثم يدعي رؤية كانت قبل الطلاق.
والثالث: أن يدعي رؤية بعد الطلاق في العدة، فإن ادعى الرؤية قبل الطلاق، ثم قال به بعد الطلاق، كان اللعان بينهما سواء كانت أيما أو تزوجت، فإن لاعن وجب عليها اللعان، وإن نكلت رجمت، وإن طلقها ثم ادعى رؤية تقدمت الطلاق، حد ولم يلاعن إذا كان الطلاق بائنا، وإن كان الطلاق رجعيا، كان له أن يلاعن، قال محمد: وذلك أنه لم يتكلم حتى طلق.
قال الشيخ - رضي الله عنه -: وليس ذلك بالبين؛ لأنه يقول لما اطلعت على ذلك منها طلقتها، وكرهت إمساكها، وذلك كان سبب الطلاق، وكذلك إن فإن كان الطلاق رجعيا لاعن، وإن كان بائنا حد. قال: رأيتها تزني بعد الطلاق،
وروى أنه يلاعن، فإن مات قيل لها: التعني بعده، وعدتها ثلاث حيض لا ترجع إلى عدة الوفاة. ابن القاسم
وإن ادعى رؤية بعد انقضاء العدة حد، ولم يلاعن قولا واحدا، وسواء [ ص: 2472 ] كان الطلاق بائنا أو رجعيا، فإن لم يحد حتى ظهر بها حمل كان له أن يلاعن، وسواء قال: رأيت قبل الطلاق أو بعده أو في العدة أو بعدها.
قال محمد: من - كان له أن يلاعن؛ لأنها زوجته، فله أن يلاعن وإن اختارت نفسها، وإن ملك امرأته فلم تختر ولم يفترقا حتى قال: رأيتها البارحة تزني حد ولم يلاعن. حلف بالطلاق ألا يفعل أمرا ففعله، ثم قال: رأيتها تزني قبل ذلك
وقال في كتاب ابن حبيب: ابن الماجشون إنه يحد، ولا يلاعن، وهو كمن رمى امرأة طلقها، وقال إذا قدم الزوج بعد موت زوجته فقال: رأيتها تزني: فيمن ادعى الرؤية وسمى الرجل: إنه يلاعن الزوجة، ويحد للرجل. مالك
وقال بعض أهل العلم: لا حد عليه للرجل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن جاءت تدعي نعت الرجل الذي ذكره "إن جاءت به على كذا، فلا أراه إلا قد صدق عليها" عويمر، وحديث قال: ابن عباس: هلال بن أمية زوجه بشريك بن سحماء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أربعة، وإلا فحد في ظهرك" فنزلت آية اللعان فسقط الحد باللعان. [ ص: 2473 ] قذف
وإذا حد الرجل ثم نكل عن اللعان لم يحد للمرأة؛ لأن الحد الذي تقدم كاف لكل من قذف قبله، وهذا إذا لم يذكر بعد حده أنه صدق عليها، فإن قال: صدقت عليها، ثم نكل، كان في استئناف حده قولان، قوله صدقت عليها كقوله: صدقت عليها، وهو بمنزلة رجل قذف رجلا فحد له، ثم قال: صدقت عليك، فقيل: يحد. وقيل: لا حد عليه. وليس عليه أن يرجع، وقد جلد وقال أبو بكرة، - رضي الله عنه - ارجع عن قولك، وتقبل شهادتك، فلم ير عليه في تماديه شيئا، وهو في مسألة اللعان أبين؛ لأنه لا خلاف أن له تلاعن، وإنما ثبت التعانه بما تقدم من قوله. عمر
وقال في المدونة فيمن ابن القاسم كان الغرة للأم، ومن يرث الجنين مع الأم مثل ولد الملاعنة وإن ضرب بطن امرأته فألقت جنينا ميتا فانتفى منه الزوج والتعن؛ إن له أن يلاعن؛ لأنه قاذف، وكذلك لو ولدته ميتا له أن يلاعن، لبقاء الزوجية، وكذلك إن ماتت الزوجة، وبقي الولد، فإن له أن يلاعن، وإن قدم بعد أن ماتا جميعا كان له أن يلاعن لنفي الولد، وإن ادعى رؤية بعد موتها ولم ينف حملا حد ولم يلاعن، وإن انتفى من ولد وهو حي، ثم استلحقه بعد أن مات، وقد [ ص: 2474 ] خلف مالا فقال: إن كان للولد المستحق ولد لحق به، وإن لم يكن له ولد لم يلحق؛ لأنه يتهم لوراثته وهو يحد في الموضعين جميعا. ولدت المرأة اللاعنة ولدا، ثم مات قبل أن يعلم به الزوج أو كان الزوج غائبا، فمات في غيبته، فلما قدم انتفى منه:
قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأمر في حده راجع إلى ما تقدم في صفة اللعان، فإن كان نفيه بالرؤية والاستبراء- لم أر أن يحد إذا قال: هو ولدي، إلا أني كذبت في الاستبراء، فإن كان نفيه بالرؤية بانفرادها على من رأى أنه ينفيه بذلك حد.
ومن المدونة قال ابن القاسم: ولاعن الزوج، ويحد الثلاثة. إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم الزوج،
ويختلف في تعجيل حدهم قبل لعان الزوج أو بعد لعانه، فقال في كتاب محمد فيمن ابن القاسم أخر الحد عنه؛ لأن لعان الزوج أربع شهادات أوجب عليها الحد، فإن التعنت حد القاذف، وإن نكلت لم يحد. قذف امرأة بالزنى بعد التعان الزوج، وقبل التعانها:
وقال يحد ولا يؤخر. أشهب:
فالقول الأول أحسن، وقال محمد: إن لم يلتعن حتى مات لم يحد، وظاهره على القولين جميعا، وقياد القول أنه يحد ولا يؤخر لنكولها، أن يقول: يحد وإن ماتت، وعلى هذا يجري الجواب إذا كان أحد الأربعة زوجها، ولم ينظر في ذلك حتى التعن الزوج، أنه لا يحد الثلاثة على قول حتى ينظر هل تلتعن [ ص: 2475 ] هي أم لا؟ فإن التعنت حدوا، وإن نكلت رجمت ولا يحدون. ابن القاسم
وأما قبل التعان الزوج فلا يؤخرون على قول في المدونة فيمن ابن القاسم أنه لا يؤخر حتى يأتي. وقال شهد على رجل غائب بالزنى أبو الفرج يؤخر.
وعلى هذا يؤخر الشهود الثلاثة حتى ينظر هل يلتعن الزوج، وهل تنكل هي أم تلتعن؟ وإن لم يعلم أن أحدهما زوجها حتى رجمت كان حكما مضى في دمها خاصة.
قال في كتاب محمد: لا شيء من ديتها على زوجها ولا على الشهود، ولا على الإمام ولا على العاقلة؛ لأن ذلك ليس بخطأ صراح، وهو مما يختلف فيه الحكم. ابن القاسم
ويقال للزوج لاعن، فإن نكل حد، قال محمد: ولا حد على الثلاثة لاعن الزوج أو نكل. وقال إن نكل الزوج حدوا، وإن لاعن لم يحدوا. قال ابن حبيب: وله الميراث وإن نكل عن اللعان، إلا أن يعلم أنه تعمد الزور فلا يرثها. وقال ابن القاسم: لا ميراث له إذا نكل وأرى فيه تهمة العامد لقتل وارثه. أصبغ:
وله في موضع آخر غير ذلك. [ ص: 2476 ]