فصل [تلفيق الشهادتين إذا اختلفتا وقتا أو مكانا أو مضمونا واتفقا جملة]
واختلف في ضم الشهادتين إذا كانت عن موطنين وكانا على قول أو فعل، أو أحدهما على قول والأخرى على فعل، فقيل: يضمان ويقضى بهما، وقيل: لا يضمان، وقيل: إن كانت على قول ضمتا، وإن كانا على فعل لم يضما، وقيل: يضمان، وإن كانتا على فعل وإن كان إحداهما على فعل والأخرى على قول لم يضما، قال إن مالك: بمصر في رمضان والآخر أنه طلق يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة طلقت عليه، فإن شهد عليه أنه حلف يوم الخميس أن لا يدخل دار فلان، ثم شهد الآخر أنه حلف يوم الجمعة أن لا يدخلها، ثم شهدا هما أو غيرهما أنه دخل يوم السبت طلقت عليه وضم القولان، وإن شهد عليه أنه حلف يوم الخميس أن لا يدخلها ثم شهد أحدهما أو غيرهما أنه دخلها يوم الجمعة، والآخر أنه دخلها يوم السبت ضمت الشهادتان على الفعلين وطلقت عليه، ولو شهد أحدهما أنه طلق يوم الخميس ضمت الشهادة [ ص: 2694 ] وطلقت عليه، وقال في كتاب القذف: إذا شهد أحدهما أنه شجه موضحة وشهد الآخر أنه أقر أنه شجه موضحة ضمت الشهادتان وقضى بهما، وكل هذا فهو أحد القولين، وقد مضى في كتاب الشهادات اختلاف شهد أحدهما أنه حلف ألا يدخلها وأنه دخلها، وشهد آخر أنه اعترف عنده باليمين والدخول ابن القاسم ومحمد في ضم الشهادتين في المال، وأرى أن يضما في الطلاق إذا شهد كل واحد بثلاث أو شهد كل واحد بطلقة وكانت هي آخر طلقة، فإن لم يكن تقدم له فيها طلاق لم يضم الشهادتان وحلف على تكذيب كل واحد منهما وبرئ، وليست الشهادتان بالثلاث كالشهادة بالواحدة; لأن الشهادة إذا كانت على الثلاث كانت على شيء واحد، والذي شهد به الأول هو الذي شهد به الثاني وهو بمنزلة ما لو شهد على عتق عبد بعينه، وإذا شهد كل واحد بطلقة تضمنت أنه ذهبت منه طلقة من ثلاث وبقيت طلقتان وتضمنت شهادة الثاني على القول الأول طلقة ثانية، غير الأولى، وأن يكون بقيت له فيها واحدة، وإذا قال الأول: أوقع عليها أمس طلقة، وقال الآخر: أوقع عليها اليوم طلقة أيضا، كانت على قولهما طلقتان، فلا يصح أن تجمع الطلقتان وتجعل طلقة واحدة، وقد يكون بين الطلقتين ما ينقضي فيه العدة، فعلى شهادة الأول لا تقع الثانية؛ لأنها على غير زوجته، وإذا كان الحكم لو سمع كل طلقة شاهدان أن يقع عليه طلقتان لم يصح إذا انفرد كل بسماع كل طلقة شاهدان تجعل واحدة، وإن ضمت الشهادتان وقضى بواحدة وحلف على الباقي، واختلف إذا شهد أحدهما بواحدة والآخر بالبتة، فقيل: لا يضمان; لأن البتة لا تتبعض، وقيل: يضمان؛ لأن البتة عبارة عن الثلاث. [ ص: 2695 ] شهد شاهد بطلقة وآخر بثلاث
وقال إذا شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس، والآخر يوم الجمعة لم يقطع، وقال ابن القاسم: محمد: إذا شهد أحدهما أنه شرب أمس، والآخر اليوم لم يحد، واختلف أيضا في هل يجمع. الشهادة في الزنى إذا كانت عن موطنين
وإن شهد شاهد أنه حلف ألا يدخل دار فلان وأنه دخلها، وشهد الآخر أنه حلف ألا يكلم فلانا وكلمه، لم تضم الشهادتان ولم يطلق عليه، واختلف في يمينه فقيل: يحلف؛ لأن هذه الشهادة لطخ، وقيل: لا يحلف إلا أن يثبت أحد الطرفين إما شاهدان على اليمين وواحد على الدخول، أو واحد على اليمين، واثنان على الدخول، وقد تقدم هذا الأصل في كتاب أمهات الأولاد إذا شهد واحد على إقرار السيد بالوطء، وامرأة على الولادة هل يحلف، والاختلاف في ذلك، وقال في ثلاثة نفر شهدوا على رجل كل واحد على طلقة ليس معه صاحبه فأمر أن يحلف أو يفارق، فنكل قال: يفرق بينه وبينها، وتعتد من يوم يفرق بينهما؛ لأني لا أدري عن أي شهادات النفر نكل فلم يجمع شيئا من هذه الشهادة، وعلى أصل ربيعة مالك يلزمه طلقة بشهادة الأول والثاني، ويحلف على شهادة الثالث، وإذا لم يجمع الشهادة فيختلف إذا نكل هل يقع عليه ثلاث تطليقات؛ لأن شهادة كل واحد بانفرادها توجب عليه إذا نكل طلقة، وعلى القول الآخر يسجن حتى يحلف. وابن القاسم
وقال في رجل شهد عليه ثلاثة رجال مفترقون شهد أحدهم بطلقة وآخر باثنتين وآخر بثلاث، قال: ذهبت منه زوجته بطلقتين، وهذا يصح [ ص: 2696 ] في بعض وجوه المسألة، فإن علمت التواريخ فشهد واحد أنه طلقها قبل أمس واحدة، والثاني أنه طلقها أمس اثنتين، والثالث أنه طلقها اليوم ثلاثا، ذهبت منه بطلقتين؛ لأن شهادة الأوسط تضم إلى شهادة الأول، فتلزمه طلقة، وبقي من شهادته طلقة، فإن شهد الآخر أنه طلقها اليوم ثلاثا فيضم إلى الباقي شهادة الأوسط فيلزمه أخرى، وكذلك إذا شهد الأول باثنتين والأوسط بواحدة والآخر بثلاث يلزمه طلقتان، فتضم شهادة الأوسط إلى الأول، فتلزمه طلقة ويبقى من شهادة الأول واحدة فتضاف إليها شهادة الآخر، فتلزمه طلقة أخرى، ويحلف على الباقي من شهادة الآخر، ولو شهد الأول بثلاث، والثاني باثنتين، والآخر بواحدة، لزمه ثلاث؛ لأن شهادة الثاني إذا ضمت إلى شهادة الأول لزمه طلقتان قبل أن يسمعه الثالث يوقع الأخرى، فلما سمعه الثالث ضمت شهادته إلى الباقي من شهادة الأول وهي واحدة، فتمت الثلاث، وكذلك إذا شهد الأول بثلاث والثاني بواحدة والثالث باثنين لزمه ثلاث؛ لأن شهادة الأول تضم إلى الثاني فتلزمه طلقة ويبقى من شهادته طلقتان، فلما سمع الثالث طلقها اثنتين ضمت إلى الباقي من شهادة الأول، ولزمته أخرى فتمت الثلاث، وكذلك لو شهد الأول أنه أوقع عليها طلقتين والثاني ثلاثا، والآخر واحدة لزمه الثلاث; لأنه لما سمعه الثاني لزمه طلقتان قبل أن يسمعه الثالث، ويبقى من شهادة الأوسط طلقة، فلما طلق الأخرى أضيفت إلى الباقي من شهادة الأوسط فتمت الثلاث، ويختلف إذا عدمت التواريخ هل يلزمه طلقتان أو ثلاث؛ لأن الزائد عن الاثنتين من باب الطلاق بالشك. [ ص: 2697 ] ابن شهاب