الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن ملك عبده أن يعتق نفسه فقال : اخترت نفسي أو أنا أدخل الدار أو أنا أذهب

                                                                                                                                                                                        ومن قال لعبده : أنت حر إن شئت ، فقال : اخترت نفسي وقال : أردت العتق صدق .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال : لم أرد العتق ، فقال ابن القاسم : يصدق ولا يكون حرا . وقال أشهب : لا يصدق ، وإن قال : أنا أدخل الدار ثم قال : لم أرد بذلك العتق صدق ، واختلف إذا قال : أردت به العتق ، فقال ابن القاسم : لا يصدق ، وقال أشهب : يصدق .

                                                                                                                                                                                        وقول أشهب إذا قال : اخترت نفسي أحسن; لأن المراد بذلك العتق ، ومن اختار العتق فقد اختار نفسه ، ومن اختار نفسه فقد اختار العتق . وقول ابن القاسم إذا قال : أنا أدخل الدار أحسن; لأن ذلك ليس من حروف العتق ، ولا مما يراد به العتق ، ولو قال السيد لعبده : ادخل الدار ، وقال : أردت به العتق صدق; لأنه مقر على نفسه بالعتق ، ولا يصدق العبد; لأنه مدع في حق غيره ، فلا يصدق إذا أتى بما لا يشبه . وإن قال العبد : أنا أذهب ، ثم قال : لم أرد بذلك العتق صدق ، وإن قال : أردت العتق صدق ، قال ابن القاسم : لأنه من حروف العتق قاله فيمن ملك رجلا عتق خادمه فقال لها : اذهبي ، ولا فرق [ ص: 3751 ] بين أن يوكلها- على عتق نفسها أو يوكل أجنبيا ، فتقول : أنا أذهب أو يقول لها : اذهبي ، ولو قالت : أنا أذهب بنفسي كان ذلك أبين ، ولو قال الوكيل : ادخلي الدار ثم قال : أردت بذلك العتق لم يصدق على السيد على قول ابن القاسم ، كما لم يصدق العبد على السيد .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يرد بذلك العتق ، وأراد أن يقضي بعد ذلك بالعتق ، فقال ابن القاسم : ليس ذلك له ، قال : بخلاف السكوت; لأن هذا حين أجاب بذلك اللفظ تارك لما جعل له ، وفي السكوت هو على أمره ، وقال أشهب في كتاب محمد : ذلك له ما دام في المجلس ، قال : وقوله الأول كالسكوت ولا شيء له بعد التفرق ، وقد قال مالك في المخيرة تختار واحدة : ليس ذلك لها ، ولها أن تختار ثلاثا . انتهى قوله .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وقول ابن القاسم : إن ذلك ترك بخلاف السكوت ليس ببين ، ويحتمل أن يريد : ادخل الدار حتى أرتئي رأيا وأنظر ، فإن ادعى ذلك صدق . وكذلك إذا قال : أردت بذلك العتق فلم يصدق فإن له أن يقضي .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : إذا قال السيد : أردت بقولي : ادخل الدار العتق [ ص: 3752 ] صدق وكان حرا . وقال أشهب في كتاب محمد : إن أراد به العتق أو الطلاق لم يلزمه عتق ولا طلاق ، وإن أراد : إذا قلت هذا ، فأنت حر أو طالق لزمه . وفرق أشهب بين ذلك; لأن الأول أراد العتق والطلاق باللفظ ، وليس ذلك من حروف العتق ولا من حروف الطلاق ، والثاني : أراد أن يلتزم الطلاق بالنية عند عدم النطق بذلك ، ولو لم يوقعه باللفظ ، والعتق والطلاق في هذا على أربعة أوجه ، يلزم في وجه وهو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط ، نية ، ولفظ ، وأن يكون ذلك اللفظ من حروف العتق والطلاق أو من كنايتهما .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وقع ذلك بالنية من غير نطق ، أو نطق بالعتق والطلاق من غير نية غلطا أو سهوا أو اجتمع فيه نية ولفظ بغير حروف الطلاق والعتق ، كقوله : ادخل الدار ، يريد بذلك العتق أو الطلاق ، وأضعفهما إذا كان نطقا بغير نية ، قال الله -عز وجل- : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما [الأحزاب : 5] ، وقال سبحانه وتعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة : 286] . [ ص: 3753 ]

                                                                                                                                                                                        "قال : نعم" أخرجه مسلم وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" . أخرجه البخاري ومسلم . فإذا لم يلزم الإكراه لم يلزم ما كان عن خطأ أو نسيان .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية