باب في الصلاة إلى الكعبة وفيها، ومن يشكل عليه أمر القبلة
الكعبة فرض; لقوله الله -عز وجل-: الصلاة إلى فول وجهك شطر المسجد الحرام [البقرة: 144] الآية.
والمصلي إلى الكعبة ثلاثة:
مشاهد لها، وغائب عنها وهو بمكة، وغائب عن مكة:
فإن كان مشاهدا لها كان عليه التوجه إليها، فإن انحرف عنها شيئا - لم تجزئه الصلاة.
وإن كان غائبا عنها وهو بمكة كان عليه التوجه إليها على وجه القطع، لا على وجه الاجتهاد; لأنه قادر على أن يصعد موضعا مشرفا هناك أو على أبي قبيس أو على غير ذلك; حتى يتحقق أنه إذا كان في بيته كان مصليا إليها.
وإن كان غائبا عن البلد كان فرضه الاجتهاد; أصاب عند الله -عز وجل- أو أخطأ، فإن صلى إلى موضع خارج عن الجهة التي يجتهد في القبلة إليها أو تطلب فيه متعمدا - لم يجزئه ، وأعاد الصلاة وإن ذهب الوقت.
واختلف في الجاهل والناسي والمجتهد المخطئ ، فقال في كتاب عبد الملك بن الماجشون ابن حبيب: تجزئه الصلاة ويعيد في الوقت. [ ص: 350 ]
وخالفه في الجاهل خاصة وقال: لا تجزئه الصلاة ويعيد وإن ذهب الوقت; لأنه عنده عامد. ابن حبيب
وخالف في الناسي وقال: إن الشيخ أبو الحسن ابن القابسي فقوله صحيح، وإن كان بغير اجتهاد لشيء عرض له، فلا يبعد أن يقال فيه: يعيد ما كان في الوقت. كان يعرف القبلة وصلى باجتهاد
وقال المغيرة وابن سحنون في المجتهد: يعيد وإن ذهب الوقت ، وقال : هو بمنزلة الأسير يجتهد في صيام رمضان ثم يتبين له أنه صام شعبان، وكالمصلي في الغيم باجتهاد، ثم تبين له أنه صلى قبل الوقت. ابن سحنون
وقد قيل: إن الفرق بينهما يعني بين الوقت والقبلة لأنه ينتقل في القبلة من تحر إلى تحر، وفي الوقت ينتقل إلى القطع، وهذا غير صحيح; لأن القبلة لا تتحرى عندنا فتطلب في المغرب ولا في الشمال ولا في مطلع الشمس في الصيف، ومن صلى إلى شيء من هذه الجهات كان مصليا إلى غير القبلة على القطع، فأشبه الوقت، وقد يحمل قول في الإعادة في الوقت; مراعاة للخلاف، لقوله سبحانه: مالك ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] فقيل: نزلت في قوم صلوا في ليلة مظلمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تبين أنهم صلوا إلى غير القبلة . وقد قيل غير ذلك، [ ص: 351 ] ولم يأت شيء من ذلك من طريق فيها صحة.