الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم ادعاء المكري ضياع المحمول بعد الوصول]

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى ضياع ذلك بعد الوصول أغرمه في الموضع الذي وصل إليه، وحمل على أنه وصل به ثم غيبه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا ادعى ضياعه في بعض الطريق وعلم كيله، هل يغرم مثل تلك المكيلة الآن أو في الموضع الذي اكترى إليه؟ لأنه إن كلف غرمه الآن كان في ضمانه، ولم يصدق في تلفه، فلا فائدة في أن يغرمه الآن. [ ص: 5204 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: لا يضمنه إلا بالموضع الذي اكترى إليه، وسواء كان تلفه بذلك الموضع مجهولا أو معلوما بسبب عثار دوابه، أو ضعف حباله، أو كان هو مستهلكه.

                                                                                                                                                                                        وقال الشيخ: وأرى إذا كانت المنازعة فيه في الموضع الذي هلك فيه أو أهلكه- أن يغرم المثل الآن; لأنه يقول: هناك أهلكته وهنا أغرمه.

                                                                                                                                                                                        والأصل أن الغرم في موضع الذي يهلك فيه الشيء، فقد يكون ها هنا أرخص، ولا يضمن إذا وجد بينة على ضياعه. وإن لم يحاكم فيه، حتى وصل ولم يكن صاحبه معه، فلما وصل حاكمه وعلم أنه أهلكه ببعض الطريق أو ادعى ضياعه، حسن أن يغرمه في الموضع الذي اكترى إليه، بخلاف لو كان المتعدي غير المكري; لأن هذا دخل على أن يوصله فألزم ذلك، ولأن في الصبر حتى يعود إلى الموضع الذي تعدى فيه ضررا، والظالم أحق [ ص: 5205 ] من أن يحمل عليه، وهذا إذا أتى من عثار الدابة وكان الكراء مضمونا وهو في مستعتب يقدر على خلف دابة أخرى.

                                                                                                                                                                                        فأما إن كانت معينة لم يلزم أن يغرم المثل في الموضع الذي أكري إليه; لأنه إذا تبين أنها عثور كان الحكم الفسخ، ولم يلزم المكري أن يحمله على غيرها ولا عليها، فقد تهلكه مرة أخرى. وكذلك إذا عثرت به ولم يكن ذلك شأنها، فليس على المكري خلف مثل ذلك الطعام; لأنه عيب يتقى مثله إن أعيد عليها. وكذلك إن كان الكراء مضمونا فهلك في غير مستعتب من سبب الدابة وهي عثور- لم يلزم صاحب الدابة أن يخلف أخرى وليس عليه إلا مثل الطعام.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية