الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تقليد الهدي وإشعاره]

                                                                                                                                                                                        الهدي يجب بالتقليد والإشعار إذا سيق عن وصم في حج أو عمرة ، فإن أفلس أو مات لم يكن لغرمائه ، ولا لورثته عليه سبيل يريد : لأن الدين طرأ بعد التقليد ، ولو كان دينا تقدم التقليد لرد .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان نذرا أو تطوعا ، فالمعروف من المذهب أنه كالأول يسقط ملك صاحبه عنه بالتقليد والإشعار ، وقال في امرأة ساقت هديا [ ص: 1240 ] تطوعا في عمرة ، ثم أردفت الحج وأوقفته ، ونحرته بمنى عن قرانها : يجزئها . فلم يوجبه بالتقليد والإشعار ، ولو وجب وسقط ملكها عنه ما صح أن يجزئها عن واجب . وإذا سيق الهدي عن واجب لا تبرأ الذمة إلا ببلوغه ؛ لقول الله تعالى : هديا بالغ الكعبة [المائدة : 95] . فإن ضل أو سرق أو هلك أو عطب قبل بلوغه لم يجزئه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نزل به عيب ، ثم بلغ محله ، فقال مالك : ينحره ويجزئه .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو بكر الأبهري : القياس ألا يجزئ . يريد قياسا على موته . والإجماع والمذهب : ألا تبرأ الذمة إلا بالتقليد والإشعار . فإن قلد وأشعر عن واجب وهو هزيل أو معيب ، فسمى هديا لم يجزئ . وكذلك إن سمن أو ذهب العيب ؛ لأنه قد أوجبه بالتقليد والإشعار .

                                                                                                                                                                                        وعلى القول أن الهدي لا يجب بالتقليد والإشعار يكون له بيعه ورده . وقال عبد الملك : إذا عطب قبل بلوغ المحل له أن يبيعه . وتقدم قول أبي مصعب في العبد يستحق بعضه : أن له أن يرد ما عتق منه ، ولم يستحق ؛ لأن المهدي والمعتق لم يرد التطوع ، وإنما ظن أن ذلك يجزئه . وإن انتقل إلى حالة يجوز أن يهدي فيها أجزأه . ويختلف إذا جنى على الهدي ، فقال ابن القاسم : يمضي هديا ويجزئه . ويرجع على الجاني بقيمة العيب ، فيجعله في هدي . وعلى قول أبي بكر الأبهري : لا يجزئ ، وعليه البدل . وله أن يغرم الجاني هديا كاملا ؛ [ ص: 1241 ] لأن المجني عليه يقول : تعديك أوجب علي غرم هدي كامل ؛ فتغرم ما أدخلتني فيه . كمن أكره محرما فحلق رأسه ، أو أكره زوجته فأصابها أن على المكره أن يكفر عن هذا بفدية الأذى ، وعلى الزوج أن يحجها ويهدي عنها ، فإن كان معسرا كفر هذا ، وحجت الزوجة ، ورجعا على الفاعل متى أيسر .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الهدي يعطب في الطريق أو ينزل به عيب لا يقدر على الوصول به : ليس له أن يبيعه . وقال ابن الماجشون في المبسوط : له بيعه ، وليس بهدي . إنما أراد أن يقضي به هديا عليه ، فلم يبلغ ، ولم يكن هديا . وقال ابن حبيب : إلا أن مالكا كره أن يبيعه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية