الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويقول اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار ويقول عند غسل اليسرى : أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين .

فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني عبدا صبورا شكورا واجعلني أذكرك كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا يقال : إن من قال هذا بعد الوضوء ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة .

التالي السابق


(ويقول) [ ص: 367 ] عند غسل اليمنى : (اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول الأقدام ويقول عند غسل اليسرى : أعوذ بك أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين) ونص القوت في الأولى بعد الصراط مع أقدام المؤمنين ، وفي الثانية بزيادة فيه بعد تزل ، وفي العوارف مثل ما في القوت بزيادة التصلية ، وفي حديث علي من رواية ولده محمد بن الحنفية عنه ، وفي الرجلين : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول الأقدام اللهم نجني من مفضعات النيران وأغلالها ، وفي حديث أنس الاقتصار على هذه الجملة الأولى (ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين) هذه العبارة منتزعة من عبارة القوت حيث قال : وأن يبتدئ بغسل الذراعين من أصابع الكفين ويقطع من المرفقين في كل غسلة ، وأن يبلغ في غسل الذراعين إلى أنصاف العضدين ، وأن يبتدئ بغسل القدمين من الأصابع ويخللهما من الميامن ويقطع غسلهما من الكعبين ويبلغ في غسل القدمين إلى أنصاف الساقين ويمين أصابع اليمنى خنصرها ويمين أصابع اليمين إبهامها (فإذا فرغ) من وضوئه (رفع رأسه إلى السماء وقال) ونص القوت ، ثم قال : (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي أستغفرك وأتوب إليك) ونص القوت وأسألك التوبة (فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين) وهذه الجملة الأخيرة ليست في القوت ولا في شرح الوجيز ولا في الأحاديث الواردة في الدعاء على ما سيأتي بيانه (واجعلني عبدا صبورا شكورا) ونص القوت واجعلني صبورا واجعلني شكورا (واجعلني أذكرك ذكرا كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا) ، وهكذا هو في كتاب العوارف قال صاحب القوت : هذا جميع ما روي من القول بعد الفراغ من الوضوء بآثار متفرقة قد جمعناها (يقال : إن من قال هذا بعد الوضوء) ونص القوت عند فراغه من الوضوء (ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة) كل هذا بعينه في القوت والكلام عليه من وجوه :

الأول : في رفع الرأس إلى السماء قال الحافظ بن حجر في تخريج أحاديث الأذكار : نقل الروياني أنه يقول ذلك رافعا بصره إلى السماء ، وقد جاء ذلك مصرحا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفعه من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره أو قال : نظره إلى السماء فقال الحديث ، كما سيأتي والسماء قبلة الدعاء فلعل ذلك مراد من أطلق ، وعند المستغفري في كتاب الدعوات في حديث علي ورفع رأسه إلى السماء فقال : الحمد لله الذي رفعها بغير عمد ، وكذلك في حديث ثوبان عند البزار وحديث أنس عند الخطيب وابن النجار كلهم بلفظ : ورفع رأسه إلى السماء .

الثاني أن يكون مستقبل القبلة قائما أو قاعدا كذا في الخلاصة من كتب أصحابنا ، وقال النووي في الأذكار : قال أصحابنا : ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة قال الحافظ : لم أر فيه شيئا صريحا يختص به .

الثالث : أن يقول هذه الأذكار عقيب الفراغ ، وهذا قد ذكره النووي في الأذكار وورد صريحا في أكثر الأحاديث الآتي ذكرها ، وهو مقتضى تبويب النسائي في السنن ، ولكن ابن السني ترجم في عمل اليوم والليلة فقال باب ما يقول بين ظهراني وضوئه وأورد دعاء يأتي ذكره فيما بعد .

الرابع : في قوله : أشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله ورسوله روى الإمام أحمد في مسنده من طريق الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : كنا نخدم أنفسنا وكنا نتناوب رعية الإبل بيننا فأدركني رعية الإبل فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم يحدث الناس فأدركت من حديثه ، وهو يقول : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ، ثم يركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة وغفر له . فقلت : ما أجود هذه! فقال رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم التي كان قبلها أجود منها فنظرت ، فإذا عمر بن الخطاب فقلت : ما هو يا أبا حفص ؟ قال : إنه قال قبل أن تأتي : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل [ ص: 368 ] من أيها شاء ، وعند أبي نعيم في المستخرج وأشهد أن محمدا ، كما عند المصنف ، وروى أبو محمد الفاكهي في تاريخ مكة والدارمي وأحمد وأبو بكر بن أبي شيبة كلهم من طريق المقري عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل عن ابن عمر عن عقبة بن عامر فساقه نحوه وفيه من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره أو قال : نظره إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبو داود عن عثمان بن أبي شيبة والترمذي عن جعفر بن محمد بن عمران والنسائي عن محمد بن علي بن محرز وأربعتهم عن زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح ، وأخرجه مسلم أيضا من رواية عبد الرحمن بن مهدي وابن حبان عن رواية عبد الله بن وهب كلاهما عن معاوية بن صالح قلت : وقد جاء في بعض الروايات التشهد بعد البسملة وأنه يقال عند كل عضو أخرجه المستغفري في كتاب الدعوات من طريق سالم بن أبي الجعد عن البراء بن عازب رفعه : ما من عبد يقول إذا توضأ : بسم الله ، ثم قال لكل عضو : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وفيه تعقيب على النووي حيث قال في الأذكار : إن التشهد بعد التسمية لم يرد ، وأخرجه الدارقطني وأبو يعلى والطبراني في الدعاء من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، وهو ضعيف جدا عن أبيه عن ابن عمر رفعه : من توضأ فغسل كفيه ثلاثا ، ثم ساقوا الحديث إلى أن قال : ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قبل أن يتكلم غفر له ما بين الوضوءين . وجاء تكرار التشهد ثلاث مرات أخرج أحمد والطبراني من طريق زيد العمي عن أنس بن مالك رفعه : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قال ثلاث مرات : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، وأخرج ابن السني من طريق عمرو بن ميمون بن مهران الجزري عن أبيه عن جده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه رفعه من قال حين يفرغ من وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات لم يقم حتى تمحى عنه ذنوبه حتى يصير كما ولدته أمه .

الخامس : في قوله : سبحانك اللهم إلى آخره أخرجه ابن السني والطبراني من طرق عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رفعه : من قال إذا توضأ : بسم الله ، وإذا فرغ قال : سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتم ، وفي رواية طبع عليها بطابع فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة ويروى موقوفا أيضا ، وأخرجه الدارقطني في فوائد المزكي بلفظ : من قال حين يفرغ من وضوئه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق وطبع عليه بطابع ووضع تحت العرش حتى يدفع إليه يوم القيامة .

السادس : في قوله : اللهم اجعلني من التوابين إلى قوله : الصالحين أخرجه الترمذي من رواية أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب نحو سياق حديث عقبة السابق وزاد فيه : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، ثم قال : وأبو إدريس لم يسمع من عمر قال الحافظ شيخ الترمذي جعفر بن محمد تفرد بها ولم يضبط الإسناد ، فإنه أسقط بين أبي إدريس وعمر عقبة فصار من حديث عمر وليس كذلك ، وإنما هو من حديث عقبة ، كما تقدم ، وأخرج الطبراني في كتبه ومحمد بن سنجر في مسنده من طرق عن أبي سعد الأعور عن أبي سلمة عن ثوبان ، وفي الأوسط من رواية الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان رفعه : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قال عند فراغه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم اجعلني من المتطهرين فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، وأخرج الطبراني في الدعاء من طريق أبي إسحق السبيعي عن الحرث عن علي أنه كان يقول إذا فرغ من وضوئه : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، وأخرج المستغفري في كتاب الدعوات من حديث البراء بن عازب رفعه ما من عبد يقول إذا فرغ من وضوئه : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، وأخرج أبو القاسم بن منده في كتاب الوضوء والمستغفري في الدعوات والديلمي في مسند الفردوس من طرق عن يونس بن [ ص: 369 ] عبيد عن الحسن هو البصري عن علي بن أبي طالب قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا علي إذا قدمت وضوءك فقل : بسم الله العظيم ، ثم ساقوا الحديث إلى أن قال : فإن غسلت رجليك فقل : اللهم اجعل سعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعملا مقبولا سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والملك قائم على رأسك يكتب ما تقول ، ثم يختمه بخاتم ، ثم يعرج به إلى السماء فيضعه تحت عرش الرحمن فلا يفك ذلك الخاتم إلى يوم القيامة ، وأخرجه المستغفري أيضا من طريق أبي إسحق عن علي فذكر نحوه بتمامه وزاده بعد قوله : وذنبا مغفورا وتجارة لن تبور ، وفي آخره : ورفع رأسه إلى السماء فقال : الحمد لله الذي رفعها بغير عمد .

السابع : قوله : فلم يزل يسبح الله ويقدسه إلخ أخرجه ابن حبان من رواية عباد بن صهيب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه إناء من ماء فقال لي : يا أنس ادن مني أعلمك مقادير الوضوء قال : فدنوت منه فلما أن غسل يديه قال : فساق الحديث إلى أن قال : ثم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أنس والذي نفسي بيديه ما من عبد قالها عند وضوئه إلا لم تقطر من خلل أصابعه قطرة إلا خلق الله منها ملكا يسبح الله بسبعين لسانا يكون ثواب ذلك التسبيح له إلى يوم القيامة .

الثامن : في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نقل النووي عن الشيخ نصر المقدسي قال : ويقول مع هذه الأذكار : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قال الحافظ : وقد أخرج البيهقي من طريق الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود رفعه : إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله الحديث وفيه : وإذا فرغ من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وليصل علي ، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة ، وقد علم صلى الله عليه وسلم من سأله عن كيفية الصلاة عليه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فلذلك لم يذكر السلام والعلم عند الله تعالى .

التاسع : في معنى الدعاء السابق سبحانك في الأصل مصدر ، ثم صار علما للتسبيح ، وهو التنزيه ، وهو منصوب دائما بفعل لازم الإضمار وبحمدك في موضع الحال أي نسبح حامدين لك ؛ لأنه لولا إنعامك بالتوفيق لم نتمكن من تسبيحك وعبادتك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك أي أطلب منك أن تغفر لي ذنوبي وأتوب إليك أي أرجع إلى طاعتك عن معصيتك اللهم اجعلني من التوابين أي الكثيري التوبة والرجوع عن الذنب واجعلني من المتطهرين أي المتنزهين عن قاذورات الذنوب والمعاصي وأوساخها وفيه ترق من الرفع إلى الدفع واجعلني من عبادك الصالحين أي الذين خصصتهم بالإضافة إلى ذاتك وجعلتهم صالحين لكرامتك لائقين لمشاهدتك في حضرة قدسك مع الذين أنعمت عليهم وفيه ترق من التخلية إلى التحلية ، وأما بيان معاني بقية أدعية الأعضاء فقد تعرض له شارح مقدمة أبي الليث من أصحابنا ، وهو لوضوحها لم يحتج إلى تنبيه عليه هنا والله أعلم .




الخدمات العلمية