الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة الوضوء .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفي لفظ آخر : ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاث مرات وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة مرة ، وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وتوضأ مرتين مرتين وقال من توضأ مرتين مرتين أتاه الله أجره مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وقال صلى الله عليه وسلم : من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء وقال صلى الله عليه وسلم من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات وقال صلى الله عليه وسلم الوضوء على الوضوء نور على نور وهذا كله حث على تجديد الوضوء وقال عليه السلام : إذا توضأ العبد المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه ، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفاره فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له .

التالي السابق


ثم قال : (فضيلة الوضوء ) ، أي : بيان الأخبار الواردة في فضلها وفضل من دوام عليها (قال صلى الله عليه وسلم : من توضأ فأسبغ الوضوء) ، أي : بالمبالغة فيه سيما في الشتاء ، فإنه من دعائم الدين وعزائم المتيقن ، وفي رواية ، كما أمر (وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) هكذا هو في القوت ما عدا قوله : من الدنيا (وفي لفظ آخر : ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه) قال العراقي : أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق باللفظين معا ، وهو متفق عليه من حديث عثمان بن عفان دون قوله بشيء من الدنيا ودون قوله : ولم يسه فيهما ولأبي داود من حديث زيد بن خالد : ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما الحديث اهـ .

قلت : والرواية المذكورة في القوت من توضأ ، كما أمر أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عثمان رفعه : من توضأ كما أمر وصلى كما أمر خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والطبراني في الكبير عن أبي أيوب وعقبة بن عامر معا بلفظ : من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل ، ولفظ ابن حبان : غفر له ما تقدم من ذنبه ، ولفظ أبي داود من حديث زيد بن خالد الجهني : فأحسن الوضوء بدل فأسبغ ، وقد أخرجه أيضا عبد بن حميد والروياني وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم وحديث عثمان في المتفق عليه ، وقد أخرجه عبد الرزاق وأحمد والنسائي أيضا بلفظ : من توضأ مثل وضوئي هذا ، ثم صل الحديث ، وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عقبة بن عامر رفعه من توضأ وضوءا كاملا ، ثم قام إلى صلاته كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، وعند البخاري وابن ماجه من حديث عثمان : من توضأ مثل هذا الوضوء ، ثم أتى المسجد فركع ركعتين ، ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه ولا تفتروا ولحديث عثمان روايات أخرى بألفاظ مختلفة ولفظ : بشيء من الدنيا رواه الحكيم الترمذي في كتاب الصلاة له وحينئذ فلا يؤثر حديث نفسه في أمور الآخرة أو يتفكر في معاني ما يتلوه ، وفي فتح [ ص: 374 ] الباري المراد ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه بلا ريب والمراد من الذنوب الصغار لا الكبار ، وقد وقع التصريح به في مسلم فيحمل المطلق على المقيد ، والله أعلم .

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا : ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء في المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) هكذا في القوت إلا أنه قال : إسباغ الوضوء في السبرات ، أي : المكاره والباقي سواء ، قال العراقي : أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة اهـ. قلت : ومالك وأحمد والترمذي والنسائي لفظهم : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا والباقي مثل لفظ المصنف ، وأخرج ابن خزيمة في صحيحه من طريق روح بن القاسم ومالك كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رفعه بلفظ : ألا أدلكم على ما يمحو الله به من الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا : بلى يا رسول الله قال : والباقي سواء غير أن قوله : فذلكم الرباط مرتين والباقون مرة واحدة ، وقال يونس في حديثه : ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ولم يقل : قالوا : بلى وإسباغ الوضوء المبالغة فيه والمكاره الشدائد كأيام الشتاء ، وقال بعض السلف : وضوء المؤمن في الشتاء بالماء البارد أفضل من عبادة الرهبان كلهم ، وكان ابن عمر يفسر الإسباغ بالإنقاء ومن تفسير الشيء بلازمه ؛ إذ الإتمام مستلزم الإنقاء عادة (وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ، وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ) هكذا في القوت قال العراقي أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف اهـ قلت : وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم الوضوء مرة مرة أخرجه البخاري من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ووقع في نسخ الإحياء لفظ : مرة مرة واحدة والصحيح مرة مرة بالتكرار ، كما في النسخ الصحيحة وهما منصوبان على المفعول المطلق المبني للكمية وقيل : على الظرفية أي توضأ في زمان واحد وقيل : على المصدر أي توضأ مرة من التوضؤ ، أي : غسل الأعضاء غسلة واحدة (وتوضأ مرتين) كذا في النسخ ، وفي بعضها مرتين مرتين هكذا هو في القوت ، وهو من بقية حديث ابن عمر عند ابن ماجه ، وقد ثبت هذا أيضا من فعله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين (وتوضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم) هكذا في القوت إلا أنه قال : ووضوء أبي إبراهيم خليل الله عليه السلام ، وهو من بقية حديث ابن عمر عند ابن ماجه ، وقد رواه الدارقطني وابن أبي حاتم والطبراني كلهم من رواية عبد الرحمن بن زيد اليمني ، وهو متروك عن أبيه ، وهو ضعيف عن معاوية بن قرة عن ابن عمر ، وهو منقطع ؛ لأن معاوية هذا لم يدرك ابن عمر ، وأخرج أحمد من حديث ابن عمر من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لا بد منها ومن توضأ اثنتين فله كفلان ومن توضأ ثلاثا فذاك وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ويفهم من هذا أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة بخلاف الغرة والتحجيل .

(وقال صلى الله عليه وسلم : من ذكر الله عز وجل عند طهوره طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله تعالى لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ) قال العراقي : رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف اهـ قلت : ولكن لفظه عنده من توضأ ، وذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهور الأعضاء الوضوء ، وهكذا ساقه الرافعي ، وفي رواية : من توضأ ، وذكر اسم الله عليه تطهر جسده كله ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه لم يتطهر إلا موضع الوضوء ، وهكذا رواه أبو الشيخ من حديث أبي هريرة والدارقطني والبيهقي وضعفه عن ابن مسعود والدارقطني والبيهقي وضعفه عن ابن عمر ، أما حديث ابن عمر عند الدارقطني ففيه أبو بكر الداهري ، وهو متروك ، وفي حديث ابن مسعود عن الدارقطني والبيهقي يحيى بن هاشم السمسار ، وهو متروك ، وقد احتج به الرافعي على نفي وجوب التسمية وسبقه أبو عبيد في كتاب [ ص: 375 ] الطهور .

(وقال) صلى الله عليه وسلم : (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات ) قال العراقي : أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف اهـ. قلت : وابن أبي شيبة والطحاوي وابن جرير ولفظهم كتب له عشر حسنات .

(وقال) صلى الله عليه وسلم : (الوضوء على الوضوء نور على نور ) ، وقال العراقي : لم أجد له أصلا اهـ قلت : وسبقه كذلك المنذري ، وقال ابن حجر : هو حديث ضعيف رواه رزين في مسنده قال السخاوي : ومعناه في الحديث الذي قبله (وهذا حث على تجديد الوضوء) وذلك إذا صلى بالوضوء الأول أو قرأ أو سجد ، ثم توضأ فحينئذ يكون نورا على نور ، وأما إذا كان في مجلسه فهو إسراف وهل الغسل والتيمم حكمهما كذلك ؟ الأظهر لا .

(وقال صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه ، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من بين أشفار عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من بين يديه حتى تخرج من بين أظفاره) ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه (فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى من تحت أظفاره ، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة) قال العراقي : أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث الصنابحي وإسناده صحيح ، ولكن اختلف في صحبته ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة وعمرو بن عبسة ونحوه مختصرا اهـ .

قلت : أخرجه مالك في الموطأ من حديث عبد الله الصنابحي أو هو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن وله صحبة وفيه : إذا توضأ العبد المؤمن من غير شك وفيه من تحت أظفار يديه وأظفار رجليه والباقي سواء ، وقد ذكره ابن عبد البر في التمهيد واستدل به على أن الأذنين من الرأس ، كما هو مذهب أبي حنيفة رواية عن مالك ، وقد تقدم ذكر هذا الحديث في محله ، وقال ابن خزيمة في صحيحه : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه قال : إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطرة الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مستها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب ، وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في الكبير بلفظ : من توضأ فغسل يديه خرجت خطاياه من يديه ، فإذا تمضمض واستنشق خرجت خطاياه من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه ، فإذا مسح برأسه خرجت خطاياه من رأسه ، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه ، ثم قام إلى الصلاة كان كمن ولدته أمه ، وكانت صلاته نافلة له ، وعند الطبراني من حديث أبي أمامة وعمرو بن عبسة من توضأ فأحسن الوضوء ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه .




الخدمات العلمية