الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم يصب الماء على رأسه ثلاثا ثم على شقه الأيمن ثلاثا ، ثم على شقه الأيسر ثلاثا ثم ، يدلك ما أقبل من بدنه ويخلل شعر الرأس واللحية . ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف وليس على المرأة نقض الضفائر إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعر ويتعهد معاطف البدن وليتق أن يمس ذكره في أثناء ذلك فإن فعل ذلك فليعد الوضوء وإن توضأ قبل الغسل فلا يعيده بعد الغسل .

التالي السابق


والأمر الثالث من محبوبات الغسل أشار إليه المصنف بقوله : (ثم يصب الماء على شقه الأيمن ، ثم على شقه الأيسر ثلاثا ، ثم على رأسه وسائر جسده ثلاثا) هكذا ذكره الحلواني في النوادر ونقله الزاهدي ونقل ابن أمير حاج أقوالا أخر منها أن يبدأ بالأيمن ثلاثا ، ثم بالرأس ثلاثا ، ثم بالأيسر ثلاثا ومنها أن يبدأ بالرأس أولا ، ثم على الشق الأيمن ، ثم على الشق الأيسر وهو الذي أشار إليه القدوري في المتن والأول أصح اهـ قلت : وعليه مشى صاحب الخلاصة والمصنف في الوجيز قال الرافعي : وهكذا ورد في صفة غسله صلى الله عليه وسلم اهـ .

قلت : اختلفت الروايات لحكاية ميمونة وعائشة رضي الله عنهما في كيفية غسله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما وفيهما وفيها ما يشهد لمن قال يبدأ بالرأس ، وكذلك حديث جابر في الصحيح رفعه كان يأخذ ثلاث أكف فيفيضها على رأسه ، ثم يفيض على سائر جسده ، وهو الذي أشار إليه القدوري بقوله والأول أصح ، واختاره المصنف في الوجيز ويفهم من سياق المصنف هنا الأمر الرابع من محبوبات الغسل ، وهو التثليث في غسل البدن ، كما في الوضوء ، بل أولى ؛ لأن الوضوء مبني على التخفيف قال الرافعي : فإن كان ينغمس في الماء انغمس ثلاث مرات وهل يستحب تجديد الغسل فيه وجهان أحدهما نعم كالوضوء وأظهرهما لا ؛ لأن الترغيب في التجديد إنما ورد في الوضوء والغسل ليس في معناه ؛ لأن موجب الوضوء أغلب وقوعا واحتمال عدم الشعور به أقرب فيكون الاحتياط به أعم اهـ ، وقال أصحابنا : ولو انغمس في الماء ومكث قدر الوضوء والغسل أو مكث في المطر كذلك ولو للوضوء فقط فقد أكمل السنة لحصول المبالغة بذلك كالتثليث والأمر الخامس من محبوبات الغسل ما أشار إليه المصنف بقوله : (ثم يدلك ما أقبل عليه من بدنه وما أدبر) يتتبع به الماء والدلك إمرار اليد على الأعضاء المغسولة وشرط أصحابنا ذلك في المرة الأولى ليعم الماء في البدن في المرتين الأخيرتين ، وقال مالك : يحب الدلك ، وهو رواية عن أبي يوسف قال لخصوص صيغة الطهر وافية بخلاف الوضوء ، فإنه بلفظ : اغسلوا ولنا قوله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات ، فإذا أنا قد طهرت رتب الطهارة على [ ص: 379 ] إفاضة الماء ولم يتعرض للدلك والأمر السادس من محبوبات الغسل أن (يخلل شعر الرأس) إن كان عليه شعر ، كما كانت عادة السلف ، وكانوا يعدون حلقه بدعة (ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف) وكل ذلك قبل إفاضة الماء على الرأس ، وإنما يفعل ذلك ليكون أبعد عن الإسراف في الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء ، وقال أصحابنا : إيصال الماء إلى منابت الشعر فرض ، وإن كثف بالإجماع ، وكذا إيصال الماء إلى أثناء اللحية وأثناء الشعر من البدن حتى لو كان الشعر متلبدا ولم يصل الماء إلى أثنائه لا يجوز الغسل (و) المرأة في الاغتسال كالرجل في وجوب تعميم جميع الشعر والبشر ، ولكن الشعر المسترسل من ذوائبها موضوع عنها في الغسل إذا بلغ الماء أصول شعرها ، وكذا (ليس على المرأة نقض الضفائر) جمع ضفيرة وهي الخصائل من الشعر يجعل كل ثلاث طاقات منها ضفيرة (إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعور) .

وقال الرافعي : ويجب نقض الضفائر إن كان الماء لا يصل إلى باطنها إلا بالنقض ، إما لإحكام الشد أو التلبد أو غيرهما ، وإن وصل الماء إليها بدون النقض فلا حاجة إليه ، وعن مالك لا يجب نقض الضفائر ولا إيصال الماء إلى باطن الشعور الكثيفة وما تحتها ، وعن أبي حنيفة أنه إذا بلغ الماء أصول الشعر فليس على المرأة نقض الضفائر ، وعن أحمد أن الحائض تنقض شعرها دون الجنب والأمر السابع من محبوبات الغسل أن (يتعهد معاطف البدن) ، أي : المواضع التي فيها انعطاف والتواء كالأذنين فيأخذ كفا من الماء ويضع الأذن برفق عليه ليصل الماء إلى معاطفه وزواياه وكغضون البطن إذا كان سمينا والأمر الثامن (ليتق أن يمس ذكره في) تضاعيف ، أي : (أثناء ذلك) بيده (فإن فعل ذلك فليعد الوضوء) كذا هو في القوت (وإن توضأ قبل الغسل فلا يعيده بعد الغسل) ونص القوت ، فإن قدم غسل رجليه فأدخلهما في أول وضوئه فلا بأس ولا وضوء عليه بعد الغسل واعلم أن المصنف قد تبع في هذا الكتاب سياق القوت ولم يلتفت إلى ما ذكرناه قال : باب صفة الغسل من الجنابة ، وهو أن تضع الإناء عن يمينك ، ثم تقول : بسم الله وتفرغ على يديك ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ، ثم تغسل فرجك وتستنجي ، ثم تتوضأ وضوءك للصلاة كاملا إلا غسل قدميك ، ثم تدخل يديك في الإناء وتخرجهما بما حملتا من الماء فتصب على شقك الأيمن ثلاثا ظهرا وبطنا إلى فخذيك وساقيك ، ثم تغسل شقك الأيسر كذلك ثلاثا ظهرا وبطنا إلى فخذيك وساقيك وتدلك ما أقبل من جسدك وما أدبر بيديك ، ثم تدخل يديك فتخرجهما بما حملتا من الماء فتفيض على رأسك ثلاثا وتخلل شعر رأسك بأصابعك وتبل الشعرة وتنقي البشرة ، ثم تتنحى عن موضعك قليلا فتغسل قدميك ، فإن فضل في الإناء فضلة فليفضه على سائر جسده وليمر يديه على ما أدركتا من جسده ، فإن قدم غسل رجليه فأدخلهما في أول وضوئه فلا بأس ولا وضوء عليه بعد الغسل ، وهذا الغسل يكفي المرأة أيضا عن الجنابة والحيض إلا أنها تزيد بأن تنقض ضفائرها من شعرها في الحيض ويجزئ الميت هذا الغسل ، وإن نسي المضمضة والاستنشاق في غسله حتى صلى أحببت له أن يتمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة ، وإن نسيها في الوضوء فلا إعادة عليه وكيفما أتى بغسل جسده من الجنابة فجائز بعد أن يعم جميع بدنه غسلا ، وإن لم يتوضأ قبل الغسل أحببت له أن يتوضأ بعده وفرض غسل الميت كغسل الجنابة سواء وما زاد فاستحباب اهـ .



(تنبيهان) :

الأول أدخل المصنف كلمة ، ثم في قوله : ثم يدلك بعد قوله : ثم يصب الماء على شقه الأيمن ثلاثا وهي على غير حقيقتها في الترتيب هنا ، فإن الدلك لا يكون متأخرا عن التكرار ثلاثا ، بل الدلك في كل غسلة معها عنده ، وعند أصحابنا في أول مرة من الثلاثة ، وقد تقدمت الإشارة إليه الثاني أن كمال الغسل لا ينحصر فيما ذكره من الأمور الثمانية ، بل له سنن ومندوبات أخر منها ما تقدم في سنن الوضوء ومنها أن يستصحب النية إلى آخر الغسل ومنها أن لا يغتسل في الماء الراكد ومنها أن يقول في آخره : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومنها ما ذكره النووي في الروضة أنه لا يجوز الغسل [ ص: 380 ] بحضرة الناس إلا مستور العورة ، ويجوز في الخلوة مكشوفها والستر أفضل وأنه لا يجب الترتيب في أعضاء الغسل ، ولكن يستحب البداءة بأعضاء الوضوء ، ثم بالرأس وأعالي البدن ولو أحدث أثناء غسله جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته ، لكن لا يصلي حتى يتوضأ ولا يجب غسل داخل العين اهـ ، وفي كتب أصحابنا وأن لا يتكلم بكلام قط وأن يغسل رجليه بعد اللبس لا قبله مسارعة للتستر وأن يبتدئ بالنية ، وهو سنة عندنا وسيأتي الكلام عليها وأن يغسل اليدين إلى الرسغين أولا وغير ذلك مما هو مذكور في الفرعيات .


(مهمة)

نقل أصحابنا الإجماع على عدم لزوم تقدير الماء للغسل والوضوء ؛ لأن طباع الناس وأحوالهم تختلف فتجوز الزيادة على الصاع في الغسل وعلى المد في الوضوء بما لا يؤدي إلى الوسوسة ، وقال الرافعي : ماء الوضوء والغسل غير مقدر قال الشافعي رضي الله عنه : وقد يخرق بالكبير فلا يكفي ويرفق بالقليل فيكفي والأحب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد وماء الغسل عن صاع لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع والصاع والمد معتبران على التقريب دون التحديد والله أعلم ، وقال النووي في الروضة : والمد هنا رطل وثلث بالبغدادي على المذهب وقيل : رطلان والصاع أربعة أمداد والله أعلم ، ثم قال الرافعي : وحكى بعض مشايخنا عن أبي حنيفة أنه يتقدر ماء الغسل بصاع فلا يجوز بأقل منه وماء الوضوء بمد وربما حكي ذلك عن محمد بن الحسن .




الخدمات العلمية