الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والصفات الذميمة عقارب وحيات وهي في الآخرة مهلكات فإنها تلدغ القلوب والأرواح وألمها أشد مما يلدغ الظواهر والأجساد وهي مخلوقة من نار الله الموقدة .

ولذلك كان عمر رضي الله عنه يستهدي ذلك من إخوانه ويقول : رحم الله امرأ أهدى إلى أخيه عيوبه ولذلك قال عمر لسلمان وقد قدم عليه ما الذي بلغك عني مما تكره فاستعفى ؟ فألح عليه فقال : بلغني أن لك حلتين تلبس إحداهما بالنهار والأخرى بالليل وبلغني أنك تجمع بين إدامين على مائدة واحدة ، فقال عمر رضي الله عنه : أما هذان فقد كفيتهما فهل بلغك غيرهما ؟ فقال : لا .

وكتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط بلغني أنك بعت دينك بحبتين وقفت على صاحب لبن فقلت بكم هذا فقال : بسدس فقلت له : لا بثمن ، فقال هو لك وكان يعرفك .

اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه عن رقدة الموتى واعلم أن من قرأ القرآن ولم يستغن وآثر الدنيا لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين وقد وصف الله تعالى الكاذبين ببعضهم للناصحين ؛ إذ قال : ولكن لا تحبون الناصحين وهذا في عيب هو غافل عنه ، فأما ما علمت أنه يعلمه من نفسه فإنما هو مقهور عليه من طبعه فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كان يخفيه وإن كان يظهره فلا بد من التلطف في النصح بالتعريض مرة وبالتصريح أخرى إلى حد لا يؤدي إلى الإيحاش فإن علمت أن النصح غير مؤثر فيه وأنه مضطر من طبعه إلى الإصرار عليه فالسكوت عنه أولى ، وهذا كله فيما يتعلق بمصالح أخيك في دينه أو دنياه أما ، ما يتعلق بتقصيره في حقك ، فالواجب فيه الاحتمال والعفو والصفح والتعامي عنه والتعرض لذلك ليس من النصح في شيء ، نعم إن كان بحيث يؤدي استمراره عليه إلى القطيعة .

التالي السابق


(والصفات المذمومة عقارب وحيات وهي في الآخرة مهلكات فإنها تلدغ القلوب والأرواح وألمها أشد مما يلدغ الظواهر والأجساد) لأنها حينئذ لا تقبل الرقى (وهي مخلوقة من نار الله الموقدة) التي أوقدها الله تعالى، وما أوقده لا يطفئه غيره (التي لا تطلع إلا على الأفئدة) أي: لا تعلو إلا على أوساط القلوب وتشمل عليها، وتخصيصها بالذكر؛ لأن الفؤاد ألطف ما في البدن وأشد تألما، أو لأنه محل العقائد الزائغة ومنشأ الأعمال القبيحة .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله تطلع على الأفئدة قال: تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده.

(ولذلك كان عمر -رضي الله عنه- يستهدي ذلك من إخوانه ويقول: رحم الله امرأ أهدى إلى أخيه عيوبه) ولفظ القوت: أهدى إلى أخيه نفسه (وكذلك قال لسلمان) الفارسي -رضي الله عنها- (وقد قدم عليه) من بعض أعماله (ما الذي بلغك عني مما تكره فأستعفي؟) أي: طلب العفو (فألح عليه) في القول (فقال: بلغني أن لك حلتين تلبس أحدهما بالنهار والأخرى بالليل) والحلة إزار ورداء (وبلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة واحدة، فقال: أما هاتان فقد كفيتهما فهل بلغك غيرهما؟ فقال: لا، وكتب حذيفة) بن قتادة (المرعشي) -رحمه الله تعالى- (إلى يوسف بن أسباط) -رحمه الله تعالى- وكلاهما من رجال الحلية (بلغني أنك بعت دينك بحبتين) من درهم وذلك أنك (وقفت على) دكان (صاحب لبن فقلت) له: (بكم هذا) اللبن؟ (فقال: بسدس) درهم، (فقلت: لا، بل هو ثمن) درهم، (فقال) اللبان: (هو لك) أي: صار ملكك (وكان يعرفك) أي: صلاحك ومنزلتك (اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه عن رقدة الموتى واعلم أن من قرأ القرآن ولم يستغن به لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين وقد وصف الله الكافرين ببغضهم للناصحين؛ إذ قال: ولكن لا تحبون الناصحين ) .

وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق أبي يوسف الغسولي قال: كتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط: أما بعد؛ فإن من قرأ القرآن وآثر الدنيا على الآخرة فقد اتخذ القرآن هزوا، ومن كانت النوافل أحب إليه من ترك الدنيا لم آمن أن يكون مخدوعا، والحسنات أضر علينا من السيئات، والسلام. ولفظ القوت: وقال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي في وجهي ما أكره؛ فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى [ ص: 226 ] يقول في وجهه ما يكره، فإن كان أخوه الذي نصح له صادقا في حاله أحبه على نصحه، فإن لم يحبه وكره ذلك منه دل على كذب الحال، قال الله تعالى في وصف الكاذبين ولكن لا تحبون الناصحين .

(وهذا في عيب هو غافل عنه، فأما ما علمت أنه يعلمه من نفسه فإنما هو مقهور من طبعه فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كان) هو (يخفيه) عن الناس (وإن كان يظهره) لهم (فلا بد من التلطف في النصح) من لين القول (بالتعريض مرة وبالتصريح أخرى) كل ذلك (إلى حد لا يؤدي إلى) مرتبة (الإيحاش فإن علمت أن النصح غير مؤثر فإنه مضطر من طبعه) المجبول عليه (إلى الإصرار عليه فالسكوت عنه أولى، وهذا كله فيما يتعلق بمصالح أخيك في دينه ودنياه، وأما ما يتعلق بتقصيره في حقك، فالواجب فيه الاحتمال والعفو والصفح والتغاضي عنه) وفي نسخة: والتعامي عنه (فالتعرض لذلك ليس من النصح) الواجب (في شيء، نعم إن كان) حاله (بحيث يؤدي استمراره عليه إلى القطيعة) والهجران .




الخدمات العلمية