وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها ، فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال .
وأما هجاء الكفار وأهل البدع فذلك جائز .
فقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهاجي الكفار وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك .
فأما النسيب وهو التشبيه بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء ، فهذا فيه نظر .
والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن .
وعلى المستمع أن لا ينزله على امرأة معينة فإن ، نزله فلينزله على من يحل له من زوجته وجاريته فإن نزله على أجنبية فهو العاصي بالتنزيل وإحالة الفكر فيه .
ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع رأسا فإن من غلب عليه عشق نزل كل ما يسمعه عليه سواء كان اللفظ مناسبا له أو لم يكن إذ ما من لفظ إلا ويمكن تنزيله على معان بطريق الاستعارة فالذي يغلب على قلبه حب الله تعالى يتذكر بسواد الصدغ مثلا ظلمة الكفر وبنضارة الخد نور الإيمان وبذكر الوصال لقاء الله تعالى وبذكر الفراق الحجاب عن الله تعالى في زمرة المردودين وبذكر الرقيب المشوش لروح الوصال عوائق الدنيا وآفاتها المشوشة لدوام الأنس بالله تعالى ولا يحتاج في تنزيل ذلك عليه إلى استنباط وتفكر ومهلة بل تسبق المعاني الغالبة على القلب إلى فهمه مع اللفظ .
كما روي عن بعض الشيوخ أنه مر في السوق فسمع واحدا يقول الخيار عشرة بحبة فغلبه الوجد فسئل عن ذلك فقال : إذا كان الخيار عشرة بحبة فما قيمة الأشرار واجتاز بعضهم في السوق فسمع قائلا يقول : يا سعتر بري فغلبه الوجد فقيل له على ماذا كان وجدك ? فقال : سمعته كأنه يقول اسع ترى برى حتى إن العجمي قد يغلب عليه الوجد على الأبيات المنظومة بلغة العرب ، فإن بعض حروفها يوازن الحروف العجمية فيفهم منها معان أخر .
أنشد بعضهم .
وما زارني في الليل إلا خياله
.فتواجد عليه رجل أعجمي .
فسئل عن سبب وجده فقال : إنه يقول : " ما زار يم .
" وهو كما يقول فإن لفظ زار يدل في العجمية على المشرف على الهلاك فتوهم أنه يقول : كلنا مشرفون على الهلاك فاستشعر ، عند ذلك خطر هلاك الآخرة .
والمحترق في حب الله تعالى وجده بحسب فهمه وفهمه بحسب تخيله ، وليس من شرط تخيله أن يوافق مراد .
الشاعر ولغته .
فهذا الوجد حق وصدق .
ومن استشعر خطر هلاك الآخرة فجدير بأن يتشوش عليه عقله وتضطرب عليه أعضاؤه .
فإذن ، ليس في تغيير أعيان الألفاظ كبير فائدة بل الذي غلب عشق مخلوق ينبغي ، أن يحترز من السماع بأي لفظ كان ، والذي غلب عليه حب الله تعالى فلا تضره الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعاني اللطيفة المتعلقة بمجاري همته الشريفة .