الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وتفل في عين علي رضي الله عنه وهو أرمد يوم خيبر فصح من وقته وبعثه بالراية .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (تفل في عين علي كرم الله وجهه وهو أرمد يوم خيبر فصح من وقته وبعثه بالراية) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث علي ، ومن حديث سهل بن سعد أيضا اهـ .

قلت : حديث سهل بن سعد رواه الشيخان ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الدلائل ، كلهم من طريق قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ، عن سهل [ ص: 188 ] بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر : "لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقال هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم - في عينيه ، فدعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك أن يكون لك من حمر النعم " .

قال أبو نعيم في الحلية بعد سياقه الحديث : رواه سعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وسلمة بن الأكوع نحوه في المحبة ، ولحديث سلمة طرق فمن أغربها ما حدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثم ساق سنده إلى محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن بريدة بن سفيان الأسلمي عن أبيه ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بن أمية إلى حصون خيبر يقاتل فقاتل فرجع ، ولم يكن فتح وقد جهد ، ثم بعث عمر الغد ، فقاتل فرجع ولم يكن فتح ، وقد جهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار ، قال سلمة : فدعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه فقال : هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله على يدك " ، الحديث .

وقال غريب من حديث ابن بريدة ، عن أبيه ، فيه زيادات ألفاظ لم يتابع عليها ، وصحيحه من حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع ، قلت : ورواه البيهقي من هذا الوجه ، إلا أنه قال : حدثنا ابن بريدة بن سفيان ، عن فروة الأسلمي ، عن أبيه عن سلمة هكذا هو في نسخة الدلائل وعليها سماع الحافظ العراقي ، وفيه زيادات كما أشار إليه أبو نعيم ، وأخرج البيهقي أيضا من طريق الحسين بن واقد المروزي ، عن عبد الله بن بريدة ، قال : أخبرنا أبي قال : لما كان يوم خيبر أخذ اللواء أبو بكر فرجع ، ولم يفتح له فساق الحديث نحوه ، وفيه : "لأدفعن لواءنا غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، لن يرجع حتى يفتح له " ، الحديث ، وفيه : فدعا علي بن أبي طالب ، وهو يشتكي عينه ، فمسحها ، ثم دفع إليه اللواء ففتح ... الحديث .

وأخرج أيضا من طريق المسيب بن مسلم الأزدي ، قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين ، لا يخرج ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة ، فلم يخرج إلى الناس ، وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا أشد من الأول ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة وليس ثم علي فتطاولت لها قريش ، ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك فأصبح ، وجاء علي على بعير له ، حتى أناخ قريبا وهو أرمد قد عصب عينه ، بشقة برد قطري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ما لك ؟ قال : رمدت بعدك قال : ادن مني ، فتفل في عينيه فما وجعها حتى مضى لسبيله " الحديث ، وروى الشيخان عن قتيبة بن سعيد عن حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع ، قال : "كان علي قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم - في خيبر وكان رمدا فقال : أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم - فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم - فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها ، قال صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غدا أو قال : ليأخذن الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، أو قال يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ففتح الله عليه " ، وهكذا رواه الحسن بن سفيان في مسنده عن قتيبة بن سعيد ، ومن طريقه أبو بكر الإسماعيلي في المستخرج ، وأخرج البيهقي من طريق عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فذكر حديثا طويلا وفيه : "قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في عينيه فبرئ فأعطاه الراية " الحديث .

وقد أخرجه مسلم في الصحيح وأخرج أبو داود والطيالسي ، والطبراني من حديث علي ، قال : فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلي صلى الله عليه وسلم الراية ، يوم خيبر وعند الحاكم من حديث علي قال : "فوضع [ ص: 189 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم - رأسي في حجره ثم بصق في راحته فدلك بها عيني " ، وعند الطبراني : "فما اشتكيتهما حتى الساعة " وأخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قام يوم خيبر ، فوعظ الناس ، فلما فرغ من موعظته دعا علي بن أبي طالب وهو أرمد ، فبصق في عينيه ، ودعا له بالشفاء " ، الحديث .

وقد وقع مثل ذلك لرفاعة بن رافع بن مالك ، قال : " لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني ، فبصق فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ودعا لي فما آذاني منها شيء " ، رواه البيهقي في الدلائل ، ولفديك : "نفث في عينيه وكانتا مبيضتين لا يبصر بهما شيئا ، وكان وقع على بيض حية فكان يدخل الخيط في الإبرة ، وإنه لابن ثمانين سنة وأن عينيه لمبيضتان " ، ورواه ابن أبي شيبة والبغوي وأبو نعيم والبيهقي والطبراني .




الخدمات العلمية